كتب ناجي امهز | العائلة التي لا تخاف الله
ناجي امهز | كاتب وباحث لبناني
وقف الزعيم على المنبر وخطب خطبة متحديا فيها كل تلك العيون الدامعة والاحشاء الجائعة والقلوب الخائفة، وصرخ بالحشود من يخرج عن طوعي ساسحقه، التهمه، احرقه، ادفنه، اشرده، واثناء صراخه وشتمه للشعب،
وقف رجل من بين العبيد المنبطحين وصرخ بالزعيم، قائلا نحن اموات ماذا ستفعل اكثر، من منا لم يمت بالمرض يموت بالجوع ومن لم يمت من الجوع يموت من اليأس، ماذا ستفعل اكثر,
وبينما الناس تستمع وراسها بالرمال، سمعوا صوت سيدة عجوز تقول للزعيم سامحه، ان ابني جاهل احمق، سامحه، واقتربت من ابنها ونهرته بكلمات قاسية واخذت تضربه بكل قوتها بعكازها وتصرخ به انه الزعيم ابن الزعيم، انا اعرف اباه قبل ولادتكم، من شدة الضرب اخذت الدماء تسيل من راس الرجل وهو مكتف مصدوم من فعل والدته اقترب الزعيم من السيدة التي هشمت راس ابنها واثنى قائلا، بانها نجت ابنها من الموت.
وبعد ان غاب موكب الزعيم، اقتربت السيدة العجوز من ولدها وحضنته، وهي تبكي، وتقول سامحني يا بني، اردت ان انقذك مما تجهله،
يا بني هذه الفئة من البشر ليس لها قلوب، او ضمائر، عقولها سكنته الشياطين، وارواحها ملك ابليس,
اسمع يا بني، قبل سبعة عقود مات جارنا وترك زوجته وحيدة لديها تسعة اطفال، وهي امراة فقيرة ووحيدة اهلها من مدينة بعيدة عنا، وهذه المراة لا تمتلك الا قطعة ارض صغيرة تركها زوجها، تعمل بها مع ابنائها الايتام لتكسيهم وتطعمهم، وذات يوم من الايام طمع شقيق زوجها بالارض، وحاول ان يغتصب الارض عنوة لكن اهالي القرية وقفوا بوجهه، فما كان منه الا ان توجه الى والي المدينة، وبعد ان قدم الهدايا لوالي المدينة، اخبره عن قصة الارض وان زوجة شقيقه هي من طائفة غير طائفة الوالي وانه يخشى ان تخرج ابناء اخيه من الطائفة وتحولهم الى طائفتها، وبعد ان بث سمومه عند الوالي، ارسل الوالي وراء كبير القادة وعندما حضر كبير القادة بين يدي الوالي امره الوالي بان يصادر الارض ويمنحها لهذا الرجل الصالح ابن الطائفة، وان يطرد المراة من القرية، وانصاع كبير القادة لطلب الوالي، وتوجه مع الرجل ليشرف شخصيا على تنفيذ الامر، وما ان وصل كبير القادة الى الارض وشاهد الاطفال شبه عراة يتصببون عرقا بالحصاد وقد ظهر الفقر على محياهم والجوع والقهر على اجسادهم، والام تكاد تسقط من الوهن والضعف.
نظر كبير القادة الى الرجل وبصق في وجهه، وتمنع عن تنفيذ امر الوالي، بل ذهب اليه وقدم استقالته، وبعد فترة عين الوالي كبيرا للقادة مكان المستقيل، ومرة اخرى جاء الرجل الى الوالي وبث سمومه مرة جديدة فاستدعى الوالي كبير القادة، وطالبه بان ينفذ ما عجز سلفه عن تنفيذه، وايضا توجه كبير القادة لينفذ الامر وقد تفاجا عندما شاهد الاطفال وهم يدرسون المحصول الذي جمعوه، وقد خارت قواهم والام رغم مرضها تساعد اطفالها، فنظر كبير القادة الى الرجل باحتقار، وعاد ادراجه واخبر الوالي بما شاهده، فقال الوالي لكبير القادة ان عاد الينا الرجل لنؤدبه، ومرت الايام ومات الوالي، وعين مكانه ابنه البكر واليا جديدا على المدينة، فتوجه الرجل الذي يطمع بارض شقيقه المتوفي الى الوالي الجديد وقدم له الهدايا واخبره عن زوجة اخيه التي هي من غير طائفة وعن الارض فما كان من الوالي الجديد الا ان توجه شخصيا الى الارض واغتصبها من الارملة واولادها الايتام، وطردهم بالعراء دون شفقة او رحمة، ويقال ان الوالدة توفيت من القهر والابناء شردوا واختفت اخبارهم.
وقد شاع ظلم الوالي الجديد وشدة بطشه وقساوة حكمه، وقد سمع كبير القادة الذي استقال بفعل الوالي الجديد، بحق الارملة واولادها الايتام، فتنكر بزي اعرابي فقير وقصد الوالي الجديد، وعندما حضر بين يداي الوالي ساله الوالي ما حاجتك ايها الاعرابي، فقال الاعرابي انا يا والينا اتيت لاتقدم بشكوى امامكم لشدة ما سمعت عن عدلكم
فقال الوالي وما هي شكوتك وضد من،
فقال الاعرابي انها شكوى ضد الله،
فصرخ الوالي ويحك تريد ان تتقدم بشكوى ضد الله.
فقال الاعرابي: انا رجل فقير والله هو الذي لم يرزقني، وانا رزقي عنده.
فقال الوالي: كلامك صحيح لكن لماذا لم تقدم شكوتك امام والدي الوالي؟؟
فقال الاعرابي: والدك الوالي حقيقة كان فاسدا وظالما، لكنه كان يخاف الله، اما انت فانك لا تخاف من الله، لذلك اتيت لاقدم شكوتي امامكم، عندها طلب الوالي باعتقال الاعرابي، وساله عن سبب هذا الفعل، فاخبر الاعرابي بانه كان كبير القادة وبانه رفض تنفيذ امر والده بطرد هذه المراة الفقيرة واولادها الايتام من ارضهم، وانها ماتت مظلومة، وتشرد ايتامها، بسبب الظلم الذي لحق بها من الوالي، فضحك الوالي من فعل الاعرابي، وظن كبير القادة ان الوالي سيعيد الارض ويعوض الاطفال الايتام، فقال الوالي للحراس اقطعوا عنقه واتوني بطعام الغداء.
فصرخ الرجل، يا اماه وما دخل هذه الرواية بهذا الزعيم الفاسد،
فقالت له السيدة العجوز: يا بني ان هذا الزعيم الذي وقفت بوجهه هو حفيد الوالي الفاسد الظالم المجرم، وهذه العائلة لا تخاف الله، ومن لا يخاف الله عليك ان تخاف منه.