كتب ناجي امهز | أسباب الهجمة الإعلامية على الحزب، وأسباب انحسار الاعلام المقاوم
ناجي امهز | كاتب وباحث لبناني
أمريكا تعرف ان قوة الحزب ليست فقط بصواريخه الدقيقة، وعدد مقاتليه، بل أيضا بالكتّاب الذين يكتبون دفاعا عن المقاومة، فالمقاومة تقوم بدفع عشرات ملايين الدولارات على دعم واعانة عشرات الالاف من المقاتلين وتقديم كل ما يلزم للبقاء على جهوزيتهم، من اجل خوض المعارك مع العدو، وربما قد لا يشارك بعض هؤلاء بالمعركة، لسبب صحي او حالة وفاة، بالمقابل الكاتب الذي لا يكلف شيئا، فانه كل يوم يخوض معركة وهي معركة تصيب العشرات وربما المئات، وتأثيرها يبقى ويكبر ويستمر، كما ان الكاتب يصنع راي عام سياسي يساعد على تكريس شرعية المقاومة وبسط نفوذها، كما فعل الكتّاب الفرنسيين الذين دعموا المقاومة الفرنسية، بالمقابل المقاوم يحمي هذا النتاج السياسي لكن لا يصنعه، وأيضا الكاتب هو الذي يمنح ديمومة المقاومة، فالمقاومة لا تقوم كل يوم بعمل عسكري مقاوم، لكن الكاتب كل يوم يخلق فكرة تجدد في الحاضر حضور المقاومة اليومي، مما يبقيها متوقدة في الذهن والروح والوجدان.
لقد أصبحت نتائج المخطط الأمريكي لاستهداف المقاومة إعلاميا تؤتي ثمارها، فمن يراقب ويرصد ما يجري حوله، يصاب بالذهول من هذا الحصار الإعلامي المطبق على المقاومة، وتداعياته الظاهرة على صناعة الراي العام.
لو اخذنا قلما وورقة وعددنا الذين يدافعون عن المقاومة كتابة في العالم العربي، لوجدناهم لا يتجاوزون المائة شخص من مختلف الجنسيات العربية، مثلا في دول مجلس التعاون الخليجي والبالغ عدد سكانه 50 مليون انسان ربما تجد فيه عشرة اشخاص قد يكتبون لصالح حزب الله، ولكن دون ان تنشر مقالاتهم في هذه الدول بسبب تصنيف الحزب على لوائح الارهاب، مقابل الألوف من الإعلاميين والكتاب وعشرات الصحف الورقية والاف المواقع الالكترونية والفضائيات التي يدفع لها لتهاجم الحزب.
وهذا المشهد يمكن تعميمه على مساحة العالم العربي تقريبا، حتى في جمهورية مصر العربية قد تجد هناك من يدافع عن حزب الله لكن هذه الفئة ان كتبت فأنها ترسل مقالاتها ليتم نشرها في مواقع الحزب مما يعني بانها محدودة التأثير للغاية على الشعب المصري، ولأسباب طائفية ربما تفضل هذه الفئة ان تكتب عن مقاومة من نفس الطائفة وخاصة انها ستلاقي انتشار أوسع وسهولة اكبر بالنشر.
حتى في محور المقاومة نفسه، فان قلب الاعلام الذي يكتب دفاعا عن الحزب بغالبيته هو في لبنان وتقوم بعض المواقع الإعلامية ان كان في العراق او سوريا او حتى اليمن بنشر مقالات الكتاب اللبنانيين الذين يدافعون عن المقاومة، أولا بسبب سهولة اللكنة اللبنانية والتي تفهم من الجميع، وثانيا ان اللبنانيين تمرسوا بالكتابة ونسج الأفكار بسبب النمط الزمني ومعايشتهم الاحداث ان كانت من انتصارات،
حتى الجمهورية الإسلامية في ايران فأنها تنشر النتاج العربي وخاصة اللبناني من اجل مخاطبة الشعب العربي بلغته.
وفي العراق هناك انقسام بين مؤيد للحزب ومعارض مما يعني انه أيضا عملية نشر المقالات التي تكتب عن الحزب تكون نوعا ما مقيدة، وربما البعض يفضل الكتابة عن اجنحة المقاومة العراقية، وهذا الفعل طبيعي.
ومحور المقاومة لم يبخل بدعم الاعلام، لكن للأسف توجه الى الفضائيات، والفضائيات وبرامج التوك شو لا تصنع مقاومة ولا تبني فكرة، فان كافة الاحصائيات العالمية تؤكد ان الفضائيات والبرامج تصنع حدثا لكنها لا تصنع راي عام، واكبر دليل هو ما حصل في ما يسمى الربيع العربي، فقد قامت الدنيا وانتفض الشارع وفي اليوم الثاني اختفى وتلاشى كل شيء كانه لم يكن موجودا، لان كل شيء غير مكتوب لا يعيش الا لحظات، وراينا كيف عادت الاحزاب اقوى مما كانت، لان الأحزاب بنت هرميتها على نواميس وبرامج مكتوبة.
اذا أمريكا التي رصدت مئات ملايين الدولارات من اجل محاصرة الحزب إعلاميا، فان نتائج هذا الحصار نجحت في الكثير من الدول العربية، حتى في لبنان ان راقبنا عدد الصحف التي تصدر ورقيا لوجدنا ان تسعون بالمائة منها غير مستعدة ان تكتب عن حزب الله الا بالسياسة، مما يعني انها لا تنشر ثقافة المقاومة، وهذا النشر لا يفيد المقاومة بصناعة الراي العام المؤيد لها، لان المقاومة بحاجة الى أقلام تحرك المشاعر والاحاسيس وتكرس في الوعي واللاوعي ضرورة حماية ودعم المقاومة لاستمرارها، وهذا الأسلوب اعتمدته كافة الثورات وحركات المقاومة بالعالم، أصلا حركات المقاومة لا تنتشر الا عبر الرواية الثورية والأفكار الوجدانية، لو اخدنا مثلا شخصية جيفارا لوجدنا ان سبب وجوده حتى اليوم هو الكتابة عنه بكافة اللغات.
وقد نجح بعض الكتاب من خلال ثقافة متنوعة باختراق الساحات، وهذه الفئة تمددت بفعل علاقات مباشرة وتراكم زمني طويل الأمد وبسبب اسلوبها الرقيق الذي كان كقطرة الماء التي حفرت الصخر، مما أنتج صراعا فكريا اجتماعيا وسياسيا يصب في مصلحة المقاومة.
لكن هذه الفئة هي بحاجة الى احتضان ان لم يكن ماديا يجب ان يكون معنويا، وان يجتمع بهم السيد نصرالله عبر الشاشة كما يجتمع مع أبنائه المقاتلين، وخاصة ان هذه الفئة من الكتاب أصبحت مستهدفة بخبث وبشراسة من أعداء المقاومة، فالمقاوم ربما بإمكانه السفر والتنقل كون هويته مجهولة للجميع، اما الكاتب الذي يدافع عن المقاومة اصبح اليوم محاصرا، لا يمكنه السفر الى أي بلد، حتى أبنائه لا يستطيع ان يرسلهم الى أي دولة مخافة اعتقالهم.
وعندما يجد أي كاتب انه مغيب عن تلك اللقاءات، وان هناك من يحصل على كل شيء من ظهور اعلامي وتكريم، وافضلية، مما جعله يعيش الغربة حتى بالنسبة لمن يدافع عنهم، فهو يجد هناك من هو ابن ست وابن جارية، وهذا الامر يخلق حالة من الصراع الداخلي، حتما بالختام ستؤدي به الى العزلة والتوقف عن الكتابة بسبب فقدان الدفع الروحي،
قد لا يكون خروجه من محور المقاومة ذات قيمة، لكن بالختام سيتقلص عدد الذين يقضون الكثير من اوقاتهم بالبحث ويبذلون الكثير من جهدهم بالكتابة وخلق الأفكار، ليجذب القراء من الجانب الاخر.
فالمقاومة عندما تحرر الأسير من عند العدو، وتعمل على طبابته وتحسين أوضاعه لأنه يرمز إلى المقاومة وهنا تكون المقاومة تشجع ابنائها وجمهورها بأنهم بخير وحتى ان وقعوا بالأسر او جرحوا او حتى استشهدوا، فان هناك من يهتم بهم وبعوائلهم، وهذا الفعل يزيد بقوة ومنعة المقاومة.
والكتاب اليوم بحاجة ان يشعروا باهتمام المقاومة بهم، وان الذي يحمل قلما لا يقل أهمية عمن يحمل بندقية في الدفاع عن المقاومة.
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنَّهُ قَالَ: “إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَ وُضِعَتِ الْمَوَازِينُ، فَتُوزَنُ دِمَاءُ الشُّهَدَاءِ مَعَ مِدَادِ الْعُلَمَاءِ فَيَرْجَحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ”1.
قد يكون الكاتب ليس عالما بالدين، لكنه عالما بالدنيا، ويصب ما يكتبه عن الدنيا في مصلحة الدين.