ميخائيل عوض | كاتب وباحث
تسال جهينة وماذا عن الحرب واحتمالاتها ومسارحها هل تكون المخرج وتوليد الحلول وبوابة العبور الى المستقبل الامن والخلاص الناجز…
جهينة في سباتها وعيونها متسمرة في الافق…
والتكهنات والتسريبات تملئ الدنيا عن مخططات ومؤامرات وعودة غرف الموك واخواتها وحوادث درعا والسويداء، والتظاهرات وقطع الطرقات، والتحشيد الامريكي وانشطة داعش واخواتها في البادية وشرق الفرات ومن التنف وريف اللاذقية وادلب… تذكرك بما كان وجرى وكيف تحولت الاحتجاجات المحقة الى حرب عالمية عظمى شارك ويشارك فيها من في الارض وفوقها من دول واجهزة وعصابات وشركات امن خاصة وجيوش…
ويشغلك ان السوريين العاديين غير مهتمين بالأنباء التي يجري ضخها وتضخيمها عن حشود امريكية وعن مشاريع لاقتطاع الجنوب ووصل انجرليك بالتنف امتدادا لإسرائيل عبر الاردن والى القواعد الاطلسية في الخليج واحتمال اقتطاع مستطيل الحدود السورية العراقية واقامة دولة قاعدة عميلة لتساند اسرائيل المأزومة والقواعد الامريكية الاطلسية في الإقليم ولتامين السيطرة الاطلسية على العرب والمسلمين…
وتستغرب ان ليس من تصريحات ولا تهديدات ولا حشود ظاهرة للمحور وجيوشه وفصائله، تقابل الحشود والتحركات الامريكية وتحريك الادوات. وتقفز بك الذاكرة الى خطابات السيد حسن نصرالله ووعده بالثأر لسليماني بطرد الامريكي وبان انجاز المهمة قد يؤدي الى تحرير فلسطين بدون حرب…. وقد جددها في خطاب التحرير الثاني؛ جازما بانها هوبرة وتمنى ان تنخرط امريكا فيها لتكون الحدث المغير في الاحوال….
وينتابك الشك لبرهة بان ترك الشعوب جائعة، وتحت الحاجة، قد يكون تكتيكا لإغواء العدو، وايقاعه بالكمين ودفعه لصرف انتباهه وجهده والتورط بإشعال الحرب بوهم ان فرصته دنت لاستعادة المبادرة والهجوم المعاكس، فهذه من طبائع الحروب وتكتيكاتها ومن وصايا ابو العلم العسكري صن تزو….
وينتابك الخوف والرهاب وتتساءل ان كان تكتيكا فما الذي يضمن ان يحقق مبتغاه وما الذي يمنع المقاتلين والجيوش الجائعة وغير المطمئنة ليومها وغير الواثقة من غدها من القاء السلاح بدل القتال بحماسة وايمان وثقة بالنصر….
وينتابك رهاب وخوف عندما تفيدك الذاكرة جازمة بان التجارب الثورية الظافرة للمقاومات عبر الدهور والأزمنة لم تأمن الجوع، ولا غطت او تعايشت مع الفساد او قبلته. بل كانت اولوياتها قبل تحرير الارض الجرداء تامين الشعوب وانتاج ظاهرات جاذبة في مناطق سيطرتها وان ضاقت مساحاتها وحوصرت حتى نفذ منها ملح الطعام.
فتجربة الجيش الاحمر الصيني وجمهورياته الحمراء في مسيرته الكبرى تعرضت مناطق سيطرته للحصار والتجويع وفقد الملح في بعضها وما كان من قيادتها الا تشكيل فصائل والوية حددت مهمتها بتامين الملح والحاجات الماسة للناس وحماية المناطق المحررة والبطش باللصوص والفاسدين والانتهازين وقطع رؤوس المحتكرين والمتاجرين بالدماء والشهداء وبالجوع…. وعلى خطى التجربة الصينية واجهت الثورة الكوبية في المناطق التي حررتها، وعندما انتعش تجار الحرب والفاسدين وقطاع الطرق واللصوص والمحتكرين وحاولوا الاصطياد بالظروف والحاجات اقدمت قيادة الثورة على قسم الثوار نصفين وكلفت ارنستو تشي غيفارا بتشكيل رتل تخصص بتطهير المناطق المحررة وتأمينها وقطع رقاب اللصوص والمحتكرين وتجار الحرب والفاسدين، واذا قيل تلك تجارب خاصة لا تتطابق مع واقع سورية ومحور المقاومة فيأتي الجواب من التجربة الفيتنامية وحربها للتحرير وقد دمرت هانوي والقرى والبلدات والمدن وازيلت عن وجه الارض، وحوصرت وكاد العدو يقطع الهواء وطائراته تحجب الشمس وقنابله تحرق كل شيء ومع هذا فقد كانت نسبة النمو الاقتصادي في الحرب وتحت القصف ١٠٠% سنويا، وبذل الجهد ونظمت الجيوش والتشكيلات لتامين الشعب وحاجاته ولمنع الاحتكار واللصوصية والفساد والمتاجرة بالآلام والحاجات وتساوت مع مهمة قتال العدو، وتحقق للثورة ما سعت ولم يجع شعب فيتنام تحت الحرب وها هي نمرا اقتصاديا.
واذا كان الكثيرون لا يستسيغون الافادة من الدول والتجارب الاشتراكية وثوراتها ومقاومتها فلا باس. ونسال ماذا عن اليابان اثناء الحرب وبعدها؟ وماذا عن المانيا التي دمرت وهزمت واغتصبت نسائها وفقدت غالبية رجالها؟ كيف نهضت وبأية قوانين ودولة وقواعد ناظمة للعلاقات وهل ترك اللصوص والفاسدين وتجار الحروب والمحتكرين ومصاصي دماء الشعب ام عوملوا معاملة الخونة والمتآمرين.
وماذا عن اوروبا المقاومة وما بعد النصر واعادة البناء؟ هل من تجربة واحدة اجازت تلازم التعايش بين المقاومة ومشروعها التحريري مع الفساد والنهب والاتجار بالدماء ….
وليس بعيدا فتجربة المقاومة الجزائرية وادارة المناطق المحررة وتجربة المقاومة والثورة اليمنية في حقبة التحرر من الاستعمار البريطاني والاكثر سطوعا التجربة الناصرية في مصر واجراءات حماية الثورة والسعي للنهوض وتامين الشعب والعدالة وتبدو تجربة البعث في سورية في حقبتها الثورية والحركة التصحيحة ومحاربة الفساد ومنع الاحتكار والتأميم وتعظيم دور القطاع العام وتامين سورية بالثورة الزراعية وتعزيز سيادتها واستقلالها بتامين الغذاء….
عبثا سيحاول منظري الصبر والبصيرة اقناع احدا بان تعايش الفساد والمقاومة خيار نافع او تكتيك حربي او تضليل للعدو وحرف اهتماماته ولإيقاعه بكمائن اعدت مسبقا وعن سبق تصور وتصميم..
فتلازم حقبة المقاومة وتعايشها مع الفساد ونموذجها الفارق والصارخ في العراق وما هو فيه ولبنان والكارثة الجارية واليمن وجوع ومرض الاطفال وسورية وما باتت عليه حال الناس، حالة اشبه بعقب اخيل عساها الا تصير مقتل التجربة والتفريط بالانتصارات التاريخية.
وبكل الاحوال ان وقعت الحرب لخطا بحسابات امريكا وحلفها او استجابة لإغراء وتضليل او بسبب حاجة المحور وفصائله لحروب ولانتصارات تجب وتطمس الازمات فستكون فاصلة وستغير ما قبلها وتصنع بنفسها ومسارتها حلولا ومخارج من الازمات وتعبر بالعرب والإقليم الى حقبة اخرى مختلفة بقوة القانون التاريخي واستجابة للحاجات ولنداء الجغرافية والأزمنة حتى لو لم يدركها الفاعلون والمنظرون…
…/يتبع
غدا؛ واذا لم تقع الحرب فاين المفر واي خيارات واحتمالات موفورة…