ميخائيل عوض | كاتب وباحث
السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير بمناسبة الشهداء القادة حزم الامر وابلغ واعلن؛ ان الفوضى ستكون على الجميع، ولن يتوقع صانعو التجويع ما الذي سيحصدونه. واسرائيل ليست في منأى من الرد…قال؛ ان دفعتم لبنان للفوضى فعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة وفي مقدمتها ربيبتكم إسرائيل
يبدو ان السيل قد بلغ الزبى والواقعية الشديدة واستراتيجية الصبر والبصيرة قد شارفت على النفاذ، وانتجت كل ما طلب منها….
ربما قصد السيد تعليق الجرس والتحذير من التمادي، واخبر علنا من يعنيهم الامر بان الصبر ليس ضعفا، والبصيرة ليست ولن تكون التخلي عن لقمة الفقراء ودواء المرضى ومدرسة ومشفى الاطفال، لقد طفح الكيل…
فقد خرج الى الاعلام على غير عادته حتى تقصد الا يكون باسما برغم ان بسمته تزين محياه وتبعث الطمأنينة عند نفوس والذعر في انفس اخرى..
وقد يكون تقصد الا يرون انياب الليث بارزه حتى لا يتوهمون انه يبتسم.
قال بلسان عربي واضح لا لبس فيه؛ واذا دفعتم لبنان للفوضى فعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة وفي مقدمتها ربيبتكم إسرائيل.
ماذا في جعبة المقاومة ومحورها؟ وعن اية مفاجأة غير محسوبة ستتحقق ان هم اوغلوا في غيهم واخذوا لبنان الى الانهيار والفوضى لإشغال المقاومة واستنزافها وتفكيك قاعدتها الاجتماعية كي يتسنى لأمريكا وحلفها تامين اسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية وهي عين المخططات والاستراتيجيات الامريكية والاطلسية في العرب والاقليم…. وبعد ان فشلت الحروب وعجزت مخططات تقسيم المقسم، واشاعة الفوضى المستدامة، ولم تفلح مشاريع التتبيع والابراهيمي، وانهاك محور المقاومة وفصائله ودوله المحورية. تحولت المخططات والاستراتيجيات الى حرب التجويع والعدوان بالحصارات والعقوبات، وبفرض الافقار الشديد على شعوب المقاومة وقواعدها الاجتماعية، فبلغت الامور بإزاء سورية اشد ما يمكن ان تصل اليه وجاءت الكارثة الانسانية في الزلزال لتكشف عسف وعدوانية الاجراءات والقوانين الهمجية والظالمة. وجاءت التطورات الاخيرة في لبنان لجهة محاولات ايقاظ الفتنة عبر القضاء الاوروبي والامريكي والمحقق العدلي البيطار وقراراته الهميونية والتحركات في الشارع التي لم تؤدي الوظيفة فأملت السفارة الأمريكية والسفارات على جمعية المصارف ان تعلن أضرابا مفتوحا بلا ذريعة او مبرر ما افلت لجام الدولار الذي جاوز ال٨٠ الف ليرة بلا سبب او تطور يوجب ان تصل الامور الى هذا المستوى من الانهيار والتداعي الذي يضع لبنان امام ايام واسابيع عصيبة تضيق فيها وتتراجع فرص الانقاذ. فلا امل بانتظار يقظة الضمائر والاستجابة لنداءات الحوار والبحث عن المشتركات، والعودة الى التوافقية ولم الشمل لاحتواء الازمة وادارتها والتمكن منها من خلال انجاز الانتخابات الرئاسية والتسريع في اعادة احياء دور الدولة ومؤسساتها المعطلة والمنهارة.
كلام السيد جاء في لحظته المناسبة والحاسمة وقد وضع النقاط على الحروف، وابلغ جهارا ورفع المسؤولية عن المقاومة وقالها بصريح العبارة؛ ستنقلب عليكم الامور واسرائيل ليست في منأى والمصالح والهيمنة الأمريكية في لبنان ليست بعيدة عن التصفية وقلب الامور راسا على عقب. ولم يترك السيد مسالة الترسيم البحري والخديعة التي مارستها امريكا ومررها المفاوض اللبناني، بان تأمن لإسرائيل الشروع بالاستثمار والاستخراج والبيع من كاريش بينما مازال لبنان يعاني وتشتد المعاناة ولا احد يحرك ساكنا بإزاء شروع لبنان في استثمار ثرواته النفطية والغازية في البحر والبر…..
وعليه فقد دخل لبنان النفق والمنطقة من بوابة الصراع العربي الاسرائيلي والرد على حرب التجويع والحصار والعقوبات ومحاولات اشاعة الفوضى، واقتربت كثيرا لحظات الاختيار الصعب والخيارات الراديكالية والحاسمة فعند الامتحان يكرم المرء او يهان…
لن يجوع لبنان بينما اسرائيل تشبع، لن تفرح اسرائيل بسرقة الثروات وتصديرها بينما لبنان يجوع بلا نصير او مغيث، لن يجوع لبنان وشعبه ولن تنقلب قاعدة المقاومة ولن تمر مخططات ومشاريع ابتزاز لبنان وفرض الارادة الامريكية عليه في استحقاقاته وخاصة الانتخابات الرئاسية مادام للمقاومة سلاح ورجال وقرار فالتزام الزخف الى القدس، ويا قدس انا قادمون والقدس اقرب، عهد ووعد.. والمقاومة من اصحاب الوعد الصادق واصحاب العهد واوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا…..
كل المعطيات والاحداث الجارية وحاجات الأزمنة والجغرافية، في لبنان وسورية ومحور المقاومة وفصائله، وفي اسرائيل وفي اشتداد مازق امريكا والاطلسي في اوكرانيا وتصاعد نذر انهيار الاقتصاد الأمريكي والليبرالي. فكل التطورات والاحداث يبدو انها تستعجل لحظات وخيارات الحسم وكسر التوازنات القائمة والمازومة. ويبدو اننا بتنا امام حقبة ان السلاح يحرر، والسلاح يحمي، والسلاح يفرض الحقوق والسلاح ايضا له ان يطعم وان يداوي وان يؤمن فرص التعليم والتطبيب، وكسر الحصارات ومنع الفوضى وتأمين الاستقرار…
خطاب السيد حسن نصرالله في الشكل والمضمون وفي المبنى والمعنى، وفي الزمان والمكان والمناسبة، يعتبر ويجب التعامل معه على انه اخر الانذارات والتحذيرات وما بعده سيكون العمل؛ فحي على خير العمل. وحيث لا تنفع التحذيرات والتهديدات واستعراض القوة، يصبح استخدام القوة واجب وحق ولحظة فاصلة بين الجد واللعب” هل تذكرون اطلالة السيد نصرالله في ٥ ايار وانذاره وكيف جرت الامور في ٧ ايار ٢٠٠٨”.
ولن يغير في الاحوال والمسارات والمستقبل الحملة التي بدأت تشكيكا بكلام السيد نصرالله وسوق الكثير من خطابات التهديد والوعيد التي حذر فيها والتزمت المقاومة بالثأر للقادة ولم تنفذ. والتزم السيد بالثأر للقائد سليماني بتصفية الوجود الامريكي في سورية والعراق ووعد بإعادة الجنود الأمريكيين بالتوابيت ولم تجري الامور على تهديداته. وعادت نغمة التطاول على السيد والحزب في ملف الترسيم…
تلك الحملات التي هدفها اثارة الشك والريبة والاتهام لتخفيف وطأة كلام السيد نصرالله لن تجد اذان صاغية وستذهب ادراج الرياح. وفي التجربة معطيات تقطع بان السيد نصرالله لم يقل كلاما غير محسوب بدقة ولم يهدد دون ان ينفذ وقبل ان تكون الاستعدادات تامة تنتظر اشارة من اصبعه، فايار ٢٠٠٨ شاهدة ترزق، وحالة الرهاب في اسرائيل من اصبعه وكلماته تأكيد حي..
ماذا بعد الخطاب الفصل؟ وخطاب السيد نصرالله في اللحظات المفصلية كان وقعه نصف حرب.
الحالة بين احتمالين؛
الاحتمال الاول؛ ان تتعظ امريكا وادواتها العالمية والمحلية العابثة، باستقرار لبنان وتجويعه وتجويع محور المقاومة فتبادر امريكا الى تخفيف الوطأة والعودة الى التبريد وتخفيف حدة الازمات رهانا على زمن اخر وطمعا ببراغماتية المقاومة ومحورها فنشهد تراجع في الضغوط وعودة المصارف عن الاضراب واستقرار بسعر الدولار وتنشيط المناورات في مسالة استكشاف الغاز والنفط، لمنح اسرائيل المزيد من الوقت والفرص للنهب ولترتيب اوضاعها ورمضان على الابواب والكلام كثير عن انه سيكون مختلف في الضفة والقدس وعمليات المقاومة.
الاحتمال الثاني؛ ان يجري التعامل مع كلام السيد نصرالله باستخفاف وتجاهل واستمرار الضغوط بل تصعيدها بافتراض تحقيق مبتغاها، وعندها ستضيق الخيارات عند المقاومة وتكون ملزمة بوضع تهديداتها موضع التطبيق، وان فعلتها ستنقلب الامور رأسا على عقب وسيشهد لبنان تحولات جذرية عاصفة تغير فيه ما كان وسيشهد الصراع العربي الاسرائيلي تحولات تنهي مأساة القرن وحروبه لتدخل المنطقة والاقليم عصرا جديدا. اما اذا تخلفت المقاومة لأي سبب عن الالتزام بوعدها فسينقلب الامر ضدها نوعيا وراديكاليا ايضا.
هكذا بلغ السيل الزبى، واقتربت الامور من بلوغ خواتيمها والازمات دخلت طور انفجارها فما كان لم يعد قادرا على ان يستمر، ومن غير المستبعد ان طبيعة الازمنة واستحقاقاتها تفرض نفسها عنوة فلا يعود التحكم بالمجريات امرا ممكنا، فتفلت بغير رغبة او قرار …
غدا لناظره قريب…
وعهدنا ان المقاومة امتلكت كل عناصر البأس والقوة وكلام السيد نذير بقرار الحسم… فقد طال الانتظار والمعاناة، ومل الصبر من الصبر…وعظ الجوع البطون وجفت صدور الاحرار…..