ميخائيل عوض | كاتب وباحث
على طريق القصر تستنزفه المنظومة لتطويعه وفي القصر تنهش عهده الازمات.. ويتراجع وزنه وحضوره …من المسؤول؟؟
في هذه الايام العجاف وقد بدأت ايام الجنرال الشجاع في التعداد التنازلي في قصر بعبدا وتسارع النفاذ واللبنانيون على ابواب جهنم الحارقة والازمة عميقة وعنيفة ضاربة بكل الاتجاهات، وما زال الجنرال يحاول ويدعوا للحوار الوطني، تطرح الاسئلة الكثيرة والثقيلة بحثا عن المسؤول عما الت اليه البلاد وحال العباد وعلامات انهيار الدولة وسقوط النظام والمؤسسات جارية والجوع يدق الابواب.
هل هي الظروف وانفجار الازمة العاصفة التي تأسست عناصرها منذ زمن غابر؟؟
او بسبب مناكفة الرئيس بري وحركة امل لعهد الجنرال لتحقيق وعد بري” الله لا يخليني اذا بخليه يحكم” ؟؟
وهل ان ازمة العهد ونفاذ مدته بلا انجاز بسبب انحياز حزب الله للثنائي الشيعي والتخلي عن عون -باسيل وتجير تفاهم مار مخايل لصالح الثنائي على حساب التيار والعهد وفرصة باسيل برئاسة الجمهورية…؟؟
ام هو الجنرال واخطاءه وخياراته غير الموفقة وانقلابه على وعوده وشعاراته الاصلاحية والتغييرية؟
وهل الوقائع والاحداث تبرء الوزير باسيل من مسؤولية تبديد العهد وفرصه وصرف تحالفاته في حروب طواحين الهواء وتسويات الصفقات الفارغة ؟؟
وماذا عن صحة اتهام جبران الصهر بانه لطش بنت الجنرال ولطش الجهورية وسيطلقها عند نفاذ عهد الجنرال!! كما فعل سابقاه الياس المر مع لحود وفارس بويز مع الهراوي لتصح مقولة الثالثة ثابته فالأصهرة يتسلقون على البنات ويلطشون العهود والجمهورية ويفشلون الاباء الرؤساء؟؟؟
ام ان المؤامرة المحبوكة التي قادت تنفيذها السفيرة شيا حققت غايتها وعاقبت الجنرال الشجاع على وقفاته النوعية بإعادته المارونية الى شامها وتغطية حزب الله في حرب تموز ورفضه الانخراط بالحرب على سورية؟؟
فالطريق الى القصر مزروعة بالأشواك وممنوعة قبل تطويع التيار ان استحال تطويع الجنرال؛
برغم حنكته، وطبائعه وجرأته وقرارته ومواقفه الاستباقية وخطواته القيادية والاستراتيجية الا انه لم يحتسب لحقيقة وقدرات وطبائع ووسائط المنظومة المافياوية المحكمة التي امسكت بعنق لبنان وحياته السياسية ودولته ومؤسساته بإتقان وحرص شديد على الا يصيبها مكروه او ان يمس بسطوتها احد فمنعت اي تحديث للنظام والمحاصات فيه واي تغيرات الا بعد حروب وجولات عنف، وان اضطرت لقبول زعماء او قوى جديدة فرضتها التطورات والحروب والتوازنات الخارجية وتحولاتها، الا انها تمرست في تطويعها واحتوائها والسيطرة عليها قبل قبولها في ناديها، هذا ما فعلته ببير الجميل وكمال جنبلاط بعد ازمة ال٥٨ وبالشهابية وتيارها، وما صنعته بحركة امل بعد انتفاضة ٦ شباط ١٩٨٤ وما انجزته بالقوات اللبنانية ولو ان القوات متطوعة ومعدة للقبول وقد تشكلت كأحد أذرعتها الضاربة والنشطة من تلقاء ذاتها وبحكم طبيعتها ووظيفتها وما تطوعت لإنجازه، وكانت قد اغتالت النائب معروف سعد في تظاهرة الصيادين بصيدا وحاولت مع النائب مصطفى سعد لامتلاكهما قاعدة اجتماعية صلبة في مدينة صيدا ذات الاهمية المحورية وبالجنوب، وساقت البلاد الى حرب اهلية طاحنة ومديدة وعندما اخترقت بأصوات كنجاح واكيم وزاهر الخطيب واخرين نجحت بعزلهم وتضييق قاعدتهم الاجتماعية وحولتهم الى فاعليات صوتية لا فاعلية لها في التوازنات، وما اصيب به الجنرال في مشواره الى قصر بعبدا اصاب حزب الله وبأثمان اعلى بكثير، وقد نجحت المنظومة بأن اوهمت حزب الله بقبوله شريكا وطمأنته وخدعته فمرت الخديعة عليه وعندما استحقت ساعة الانقلاب عليه ومحاولة تصفيته لم يجد احدا منها معه او مدافعا عنه، ولم تبادله المنظومة واركانها الوفاء عندما تطوع لحمايتها وتحمل اوزارها بعد انتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩ وقد تأخر كثيرا الحزب ليعرف ان البلاد محكومة بمنظومة مافياوية لصوصية محكمة الاغلاق وقادرة على تشغيل الجميع عندها ولأمرها وهي تشتغل لأمر السفيرة الامريكية وبمخططاتها ومشاريعها ولا تخجل من اشهار ولائها للسفارات واستعدادها لتنفيذ اوامرها واملاءاتها وقد بلغت تصرفات السفيرة شيا حد الوقاحة بان تدخلت بأدق التفاصيل واتفهها وضبطت تعطي الاوامر لشركات توزيع المحروقات وللمحطات ولأصحاب المولدات وثبت انها القائد الفعلي والعملي للدولة واركانها ومفاصلها الحاكمة كما في القضاء كذلك في المؤسسة الامنية والعسكرية وفي المصارف والمصرف المركزي، وقبضة السفيرة ليست فقط بكون السفارة والادارة الامريكية اقامت صلات مع الجميع واخترقت المؤسسات ومفاتيحها واغوتهم، بل ايضا لأنها رعت المنظومة ومكنتها من نهب وتبديد الاموال والودائع وحمتها، ووضعتها واملاكها وحساباتها تحت السيطرة والتهديد بالعقوبات ومصادرتها فأمنت هيمنتها وتشغيل المنظومة واركانها ومفاتيحها في خدمة مشاريع وخطط امريكا واستعاضت بها عن عجزها العسكري والامني وعجز إسرائيل وحلفائها في الملف اللبناني. الساحة الاكثر خطرا على إسرائيل والهيمنة الامريكية.
تأخر حزب الله كثيرا لإدراك هذه الحقائق والمعطيات الملموسة ولم يتعرف عليها الا بعد ان وقعت الفأس بالراس وضربت البلاد الازمة الانهيارية وسقوط رهاناته على الحلفاء وعلى القضاء والامن والمؤسسات وهزم في حربه على الفساد، واكتشف انه كان الزوج المخدوع
فاعلن السيد حسن نصرالله الحرب على الشمطاء وعلى وكر التجسس في عوكر واعلن حزب الله معركته لتطهير الادارات والدولة من النفوذ والسيطرة الامريكية وطالب برئيس حكومة وبوزراء لا يعلمون بالإملاءات الخارجية، ولا يخافون من العقوبات. فما وصل اليه حزب الله متأخرا من قناعة وبعد تبديد الزمن الثمين وخسارة الفرص النوعية لحماية البلاد وتامين العباد والحؤول دون افلاسها وتجويعها وسوقها الى التوحش والفوضى وقاع الفقر. ربما اصيب به الجنرال الذي لم يعرف حقيقة المنظومة وطبائعها وعناصر قوتها باكرا ولا تحوط في مواجهة القوة الصلبة للمنظومة وامساكها بالدولة والمؤسسات ومختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وتفريخ الاف مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الموالية والمؤتمرة بأمر السفيرة شيا.
وبرغم شراكة التيار الوطني الحر بالحكومات وامتلاكه اكبر كتلة نيابية مسيحية وبرغم وصول الجنرال عون الى قصر بعبدا وبرغم قدرات حليفه وشريكه حزب الله المهولة شعبيا وتسليحيا الا ان كلاهما اكتشفا ان تأثيرهما في الدولة والمؤسسات برانيا وهامشيا جدا بينما السفيرة شيا هي الحاكم والامر الفعلي وكل الزعماء والمسؤولين ينحنون امامها وينفذون اوامرها وبأدق التفاصيل.
كيف ولماذا قبلت المنظومة وصول عون الى قصر بعبدا؟؟ هل استسلمت وخسرت الحرب معه ومع حلفه حزب الله الذي تمكن من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لسنتين ونصف ولم يناصر حليفه المقرب من الاسد سليمان فرنجية للوصول الى بعبدا برغم انه رشح من سعد الحريري وبعض اركان ١٤ اذار؟؟
في الوقائع والمعطيات وكثير من الادلة والمحطات تجزم بان الجنرال لم يهزم المنظومة التي ناصبته العداء المستحكم واستنزفته واستنزفت شعبيته الطاغية بعد عودته مظفرا واكتساحه الانتخابات في الدوائر المسيحية فكتلت رجالها في الدولة والبرلمان في وجهه وحرمته من الشراكة الفاعلة والتي تتناسب مع وزنه في الشارع والبرلمان واقصته من الحكومات ومن التعيينات، وجدد المجلس لنفيه ولاية برغم اعتراض التيار وكتلته، ولم يستجب المجلس النيابي لمناقشة وادراج عشرات مشاريع القوانين التي تقدمت بها كتلة التيار، ولا اقرت الخطط التي تقدم بها وزرائه، وحالت دون وصوله للقصر كوريث للفراغ الذي خلفه الجنرال لحود وعندما وقعت ٧ ايار ٢٠٠٨ وذهب الرهط الى الدوحة لاحت له فرصة ذهبية الا ان المنظومة كانت اذكى واحتالت على حزب الله وخدعته والثنائي الشيعي بشراكة تتحول فيها الكتلة الشيعية وسلاحها ووزنها الى الحامي للنظام وللمنظومة، بمقابل حق التوقيع الثالث باحتكارها لوزارة المالية المخالف للطائف وبنوده والنص الدستوري بعدم حصرية وزارة او مؤسسة بطائفة فألغى اتفاق الدوحة مبدأ المداورة، وهدف المنظومة وعينها على ودائع المغتربين الشيعة والسورين والعراقيين من انصار محور المقاومة والمنظومة قادرة على تغير جلدها والمخادعة كالحرباء، وحزب الله المذعور من الفتنه السنية الشيعية والشيعية الشيعية ويستعجل الخروج من ورطة ٧ ايار الاضطرارية التي دفعته اليها حكومة السنيورة واوهام جنبلاط وجعجع وشركات الامن الخاصة للمستقبل، ففاتت الفرصة على الجنرال عون ومددت فترة الانتظار والعمر يتقدم، والمنظومة ذكية وسبق لها ان اختبرت افشال العهود ب الأصهرة ، وقد نجحت مع الجنرال لحود وافشلت عهده عبر الصهر وابيه، وسرعان ما انقلب الياس المر عليه علنا وبمجلس الوزراء وتورط لحود بترشيحه اخاه لصديقه لوزارة العدل آنذاك وانفجر كلغم اخر ا بعهده.
فعقب اخيل الاباء وفي قصر بعبدا بالبنات، فالسنوات الست للرئيس ميشال سليمان المتدرج بقيادة الجيش ومعها سنتان ونصف فراغ القصر كفيلة وكافية لتنجح المنظومة باحتواء وتطويع التيار وبنيته وقاعدته ان هي عجزت مع الجنرال الجريء والشجاع والذي اعلن عليها وعلى ادواتها الحرب الضروس وهو قائدا للجيش ورئيسا للحكومة العسكرية وحرق ودمر بيوت وهجر النواب والتزم سحق التقليد السياسي والعائلات والتوريث رافعا شعار الاصلاح والتغير وصعد شعبيا على شعارات وطنية جامعة لا طائفية ولا مذهبية وعائلية.
ففي سنوات الانتظار يقول معارضوه والحاقدون عليه والساعون لتدفيعه ثمن مواقفه الجريئة والتاريخية، ويتهمونه بالتحول عن شعاراته الوطنية واللاطائفية والمذهبية ويزعمون انه تغير من التمرد على التوريث والعائلية السياسية، الى الضد، ويأخذون عليه انه ربما لم ينتبه الى ان صعوده وشعبيته الطاغية وقاعدته الاجتماعية التفت حوله بسبب الشعارات والعناوين التغيرية والاصلاحية التي رفعها ووجدت فيه قائد من خارج النسق، وقد تجاهل عون ان التيار والتظاهرات التي امت قصر الشعب وحمته وانتظمت معه والتزمت الدفاع عنه لتامين عودته في جلها والعناصر النشطة فيها من قواعد الاحزاب وكوادرها ومن المتضررين من الميليشيات والحروب والرافضين لاحتكار البيوتات والعائلات والزعامات للتمثيل والسلطة وقد ناصرته بافتراض انه البديل وانه سيرسي قواعد وقيم جديدة في الحياة السياسية ولاسيما في المسيحين تفتح الطريق للنخب ولممثلي الكتل الاجتماعية والشباب لتحقيق ذاتها ومصالحها.
تجربة الجنرال والتيار بعد عودته خالفت بالممارسات والوقائع ما كان من شعارات كما يصفها معارضون من التيار نفسه ومن كادراته الذين اخرجوا منه، الامر الذي اسقط جاذبية التيار الشعبية والنخبوية وممارساته قدمته في التجربة المعاشة على انه لا يختلف عن سوابقه من الزعماء وبانه ساع لتقليد البيوتات والزعامات بالتوريث وبالعائلية وبالمقربين على حساب المؤسسين والناشطين، فلا بنات الجنرال ولا اصهرته ولا لصهره المفضل الذي اختاره من بين الكل ليكون الوريث للتيار وللعائلة والمتفرد في قرارته وسياساته وخطواته، وليس للوزير جبران باسيل فضل او دور او كفاحية واو وعي ومعرفة وحكمة تفيض عن الكوادر المناضلين الاخرين في حقبة غيبة الجنرال والنضالات التي قادها التيار.
فهل استجاب الجنرال لأوامر وشروط المنظومة ليتكيف معها لتطمينها ام هو كان يقول شعارات جاذبة وفي قرارته يبطن بناء بيت سياسي تقليدي؟؟ الجواب في طي الازمنة وفي معطيات وواقعات الواقع ذاته، نعالجها غدا ونضبط وقائعها ونتائج ممارساتها.
….يتبع