ميخائيل عوض | كاتب وباحث
ماذا ينفعك ان كسبت العالم وخسرت نفسك..!
ماذا يحقق حزب الله لو انتصر ومحوره في الاقليم وخسر لبنان…؟؟
هل من احتمال لخسارته لبنان؟؟
سيعصف الجواب بلا… ومن رابع المستحيلات… فمن قاد تحريرين واسهم بصنع انتصارين وابلى حسنا في الاقليم ويرى نفسه محوريا في التطورات وانتزاع الانتصارات، لن يفوته نصر سهل ممتنع في لبنان وفي يده حالما يتخذ القرار … هذا ما سيكون جواب الاغلبية الساحقة لانصار الحزب والمؤيدين لمحور المقاومة…فيكون السؤال لماذا لم يتخذ قراره.. ومتى يحسم امره؟
وقد يقع السؤال بذاته وممن سأله موقع استغراب ودهشه لا ينقصها المشككون…. فمن المحرمات عند البعض ان تطرح سؤالا تشكيكيا ولو ان الشك هو الطريق الى اليقين وقد حض الله عز وجل في كتبه السماوية وبأفواه رسله وانبيائه عباده على التفكير والتذكير والشك كطريق للقين .
لحزب الله ذرائعه القوية والمفهومة وعند العقلاء والدارسون الجادون التزامات واداء الحزب وذرائعه تحترم لتبرير ادارة ظهره للساحة اللبنانية وازماتها وصراعاتها منذ نشأته حتى القريب الماضي. فمن تشغله مهمة تحرير القدس وقد اكمل عدته، وقرر مع محوره ان يهزم امريكا في سورية والعراق ويذلها بعدد القتلى من جنودها” جاؤوا عاموديا ويعودون افقيا” ويثق بان اخراج امريكا مهزومة سيجعل تحرير فلسطين واقامة الصلاة في الاقصى خلف السيد حسن نصرالله امرا راهنا، سيجد في سؤالك عن لبنان وحزب الله مزحة سمجة ولهو بلا معنى!! فاذا كانت هزيمة امريكا ستؤدي الى تحرير فلسطين بلا حرب فما بالك من شلاعيط لبنان ومن شيا ونفوذها في الدولة وامساكها المسؤولين ومفاتيح المنظومة من رقبتها وتهديها بالعقوبات؟ وماذا ستكون عليه منظمات ngosواحزاب الرقص والهز في الشوارع والساحات، والحالمين بعودة امريكا واسرائيل الى لبنان ليتسلقوا درج قصر بعبدا؟ وما الذي يفيد من سفارة قلعة كلفتها مع السمسرات اكثر من مليار دولار فريش …؟
على كل حال، واي كانت اراء الاخرين نجد من الواجب والعقلانية بل وللوصول الى اليقين طرح الاسئلة بلا قيود ولا اهتمام بما سيقال. فتلك بالأصل طريقة ومنهج وكلام السيد حسن نصرالله نفسه وعلى لسانه والحق يقال ان المصفقين له كثر بينما السامعين الفاهمين بعمق لما يقوله ربما نادرون.
المعركة الفاصلة الجارية في لبنان وتستهدف حزب الله والمقاومة
اولا : تتجسد في الازمة الاجتماعية الاقتصادية- السياسية الجارية على قدم وساق وعلى صلة نوعية بالمعركة الاتية من استحقاق مفصلي يتجسد بالانتخابات النيابية ان حصلت!!
في انتخابات ٢٠١٨ اعلن الحزب برنامجه وشعاره وتكفل السيد حسن نصرالله شخصيا بالترويج له ووضع ثقله الشخصي ومكانته العالية في الانتخابات تحت شعار محاربة الفساد كشرط لتأمين الناس بحاجاتها وحقوقها وحفظ ودائعها وتامين مستقبل الاطفال.
وتفصلنا اسابيع عن الانتخابات يسأل ماذا حققت محاربته للفساد؟؟ في الواقع المعاش وما بلغته الازمة، واختلال توازنات الدولة ومؤسساتها بما فيها القضاء وانتظام الجميع في خندق الفساد والفاسدين، فلا الشارع لبّاه وقبل خطته بتوازن الضغط في الشارع مع جهود الحزب وكتلته النيابية في النظام، ولا تحالفاته والقضاء ساروا معه فاعلن الحزب عجزه في مواجهة المنظومة المحكمة الاغلاق وبلسان السيد نصرالله ” معركة محاربة الفساد اعقد واطول من معركة تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي”. وفي هذا اقرار بالعجز والعجز في لغة الحروب تعني خسارة جولة ومعركة، وقد تكرست الهزيمة المُرّة بان المنظومة نجحت بتفليس البلاد والعباد وخلقت ازمة غير مسبوقة في تاريخ الدول والشعوب، وسرقت رواتب وتقديمات وحقوق الموظفين والمتقاعدين والبلديات والنقابات والصناديق والضمان والمودعين والمغتربين والسوريين والعراقيين بأكثر من مئة مليار دولار وجلهم من القاعدة الاجتماعية لمحور المقاومة. اموال لو حفظت كانت لتكفي اطلاق وتمويل اعادة اعمار سورية وانهاض لبنان وحمايته، ويزيد في مرارة الهزيمة ان رهانات الحزب على من كان يفترضهم حلفائه في الدولة والمنظومة جاءت نتيجتها عكسية، فالكل وحيث توفرت له الفرصة وبرغم ما قدمه لهم الحزب طعن المقاومة بخنجر مسموم، وقد عبر عن المرارة السيد حسن نصرالله بلسانه ايضا عندما طالب برئيس حكومة وبحكومة سيادة وطنية لا تخضع للإملاءات الخارجية في وجه غدر سعد الحريري الذي اقال حكومته بعد ١٧ تشرين وطالب بانتخابات مبكرة باملاء من شيا والادارة الامريكية بعد ان كان السيد التزم بحماية العهد والنظام والحكومة وطالب الكتلة الشيعية وحلفائها بالانسحاب من الشارع بعد ١٧ تشربن ٢٠١٩.
وبلسانه ايضا كرر مرارته من فرقاء في المنظومة عندما طالب من حمى ويحمي حاكم المصرف بذريعة ان اقالته ستجعل الدولار ب١٢ الف ليرة بوضع حد له وبضبط الدولار ولم يفعلها لا الحاكم ولا من حماه ومنع اقالته.
ولم يخفِ السيد لومه للحلفاء عندما قال تخافون من العقوبات ونحن ندفع الدم واشاد بمناقبية الوزير فرنجية في الانتخابات الرئاسية اشارة وردا على اتهامات باسيل للحزب وتحميله مسؤولية انهيار شعبية التيار وسلسلة اخفاقات معارك باسيل مع طواحين الهواء.
الازمة الاقتصادية تتسارع وتتسارع معها نفاذ قدرات اللبنانيين على التحمل وتسارع استنفاذ تقديمات حزب الله للعائلات المحتاجة واستنفاذ خطوة تامين المازوت والمحروقات الايرانية في تلطيف الازمة ولو انها جاءت خطوة هائلة النوعية والايجابية بكسرها الحصار عن سورية وايران ولبنان والعراق واذلال اسرائيل وامريكا وتكريس ميزان قوى في صالح محور المقاومة في البحر والبر وعموم الاقليم ومسارح حروبه، الا انها كانتصارات حزب الله العبقرية والاعجازية لم تصرف في لبنان وفي لعبته المعقدة ونظامه الفاسد والمفسد ومنتج الفساد.
شيا والمنظومة يمسكون بكل الخيوط ويديرون المعركة بتفوق وتقانة ويحققون مكاسب ويراكمون تحضيرا للجولة الثانية الفاصلة ويراهنون على الاستحقاق الانتخابي ان تم. وغالب الظن ان الانتخابات لن تحصل .
في المعركة الاقتصادية الاجتماعية اخطأ حزب الله او هو تصرف لأسبابه بتجاهل بعدها السياسي ولم يجهد عقله في سبر اسبابها واغوارها والتعرف الى مقدماتها بصفتها ازمة تكوينية، ولم يدرك او هو يدرك ولم يعلن انها ازمة عميقة هيكلية تضرب في افتقاد الكيان لوظائفه وتتجسد بإفلاس النظام وتتجلى كأزمة حكم عبرت عن نفسها بالفراغات والتمديد للبرلمان وخلو قصر بعبدا وتعثر تشكيل الحكومات وانفجرت بأزمات مالية اجتماعية اقتصادية وتعصف” بعض مما قاله ماكرون وتشديده وتحذيره اللبنانيين من خطر زوال الكيان واشار الى ازمة العقد الوطني ووبخ المنظومة واتهمها في وجهها ووصفها بأقذع الصفات” وسبق ان مرر السيد حسن نصرالله عبارة؛ اننا في ازمة افلاس نظام في خطابه لمؤتمر الاعلامين نصرة لفلسطين سرعان ما سحبت من التداول ولم يجري التوسع فيها. واستمر الحزب يتعامل مع الازمة وكأنها ازمة عابرة يمكن معالجتها بالتقديمات الاجتماعية لمن يستطيع من الاسر والعائلات والكتل الاجتماعية وبذل هو ما استطاع مشكورا لكن تقديماته على اهميتها لم تلجم او تعالج الازمة ولم تكسبه ولاء قطاعات اجتماعية جديدة بل اسهمت في انحسار قاعدته التقليدية وفي البيئات الاخرى التي كانت تناصره وتعتد بتضحياته وانتصاراته، وهذه نتيجة منطقية في واقع تفاقم الازمة وبلوغها ذروة تفقد الناس ابسط الحاجات الحياتية. فحزب الله خسر جولة ومازال يخسر برغم ان المعطيات والفرص توفرت له ومازالت متوفرة ليكون الكاسب الوحيد في الاستثمار بأزمة الطبقة ” وهو ببنيته وطبائعه وتمويله من خارجها” واركان الحياة السياسية اللبنانية وهو ليس منها ولا من بنيتها ومواصفاتها وشكل ظاهرة مختلفة مكنته من الانتصارات والتمرد على خيانة وتعامل المنظومة ونظامها…!
لماذا اختار حزب الله جانب الخسارة وذهب اليها بقراره هو غير مضطر ولا ملزم وبلا حاجة او سبب موجب؟ ذلك امر يجيب عنه الحزب وله ذرائع وحجج كثير منها كان قد قالها السيد في خطبه واطلالاته، وغالب دوافعه الذعر من فتنه شيعية شيعية، والحزب ملزم عقائديا وبفتوى القائد الامام الخامنئي بحرمة دم الشيعي على الشيعي وبسبب اكتوائه بنار حرب اقليم التفاح والحرب مع امل وقد استنزفته حينها وادمت الطائفة.
وبرغم ان الفتنه الشيعية الشيعية ليست مطلوبة من احد وليست في صالح احد، ايضا هي ليست حكمية، ولا هي ضرورة واجبة، لو ان الحزب فك العلاقة بالمنظومة وبنظامها الفاسد والمفلس الذي اوصل البلاد والعباد الى الكارثة الجارية والتي تصيب الكتلة الشيعية ومنها قاعدة حركة امل اكثر المتضررين من الازمة ونهب البلاد والعباد وكذلك الكتلة الشيعية التي اغتربت وجمعت ثروات تبددت بنهب المنظومة، وجشعها، وربما لم يتنبه الحزب الى ان الشروط الموضوعية التي توفرت للتحالف الثنائي وامنته طويلا قد انحسرت وتسارع الانحسار فحِصّة الشيعة في الدولة التي نأى الحزب بنفسه عنها وتركها للرئيس بري وامل على ان تؤمن حماية للمقاومة في الدولة بمقابل ان تؤمن المقاومة الحماية في الشارع وتكتفي المقاومة وكتلتها بالتمويل الايراني والحوزات، ولا تنافس امل في حصص الشيعة في الدولة، فهذه المعادلة اختلت بانهيار رواتب ومداخيل الدولة والقطاع العام مصدر حياة كتلة واسعة من امل والشيعة، بينما المناطق الشيعية ظلت مفقرة وبلا مؤسسات انتاج وتشغيل وتامين الحاجات والبدائل.
وفي واقع الحال من الواضح ان الحزب وقيادته اخذت على حين غرة بالانهيار المالي الاقتصادي ولم يكن الاقتصادين وخبرائها الاجتماعين قد نبهوها لما بلغته البلاد برغم ان سياسيين وخبراء مقربين وفي محور المقاومة كانوا قد رفعوا الصوت كثيرا وساقوا الحجج والارقام ولم تفاجئهم الازمة والانهيار قط بل كانوا قد ضربوا لها مواعيد وحذروا من ذات تفاصيل ما يحصل..
هل وقع الحزب ضحية خديعة مسبقة الصنع؟؟ ام فاتته المعطيات والمؤشرات القاطعة؟ لكونه اخرج من الدورة الاقتصادية والمصرفية ولكون دخله بالدولار وكذلك دورته المالية الخاصة والمستقلة عن دورة الاقتصاد اللبناني، وتعاملاته ليس بالعملة الوطنية وهذا امر راجح ايضا الا ان النتيجة ومخاطرها ذاتها.
ومن وقائع خساراته انه حمى ورعى حكومة دياب وتحمل مسؤوليتها، الا انها فشلت وافشلت وبددت ١٧ مليار دولار بسبب الحلفاء وتناقضاتهم ومصالحهم ولم يراع احد منهم الحزب وقراره وحاجاته.
والفشل ينساق على دور الحزب وادائه في حكومة ميقاتي وقد رشحته كتلة الحزب في الاستشارات النيابية، واستعجلوا التشكيل، ومنحوها الثقة. وحكومة ميقاتي انتدبت لمهمة تصفية اصول الدولة لاستكمال عملية النهب وتفريغ لبنان من اية فرص للنهوض ووضع لبنان تحت سلطة وصاية صندوق النقد وصندوق النقد اداة امريكية لإنفاذ السياسات والمصالح الامريكية الاسرائيلية في لبنان، والمستهدف بشروطه سلاح الحزب والصواريخ الدقيقة وسيادة لبنان واستقلاله والا لا ديون ولا من يحزنون.
وفي الحكومة الميقاتية يخسر حزب الله ويضطر للتراجع عن التزاماته برفض صندوق النقد وشروطه ورفضه بيع الاصول، وباضطراره لتغطية قراراتها الاجرامية بحق الشعب والسطو على امواله المودعة في المنازل، ومدخرات الاسر وما يعد من موازنة لا تُصحح فيها الرواتب والتعويضات بل تزاد الضرائب واسعار الخدمات عشرات الاضعاف ما سيدفع للانفجار ويؤدي حكما لانهيار الدولة والمؤسسة العسكرية والقطاع العام الوظيفي …؟؟
فرّط الحزب بالفرص او فاتته لعدم اهتمامه وانشغالاته خارجيا، وانطلت عليه الخدعة ووقع ضحية التضليل وراهن على حلفاء وعلى خطوات واجراءات لتخفيف وطأة الازمة ولم ينجح!!. فحبل مشنقة الازمة وتفاقمها وابتلاء الشعب والكتلة الشيعية يشتد على الاعناق والمنظومة وحكومتها الميقاتية تعدنا بالمزيد من الكوارث، ويد حزب الله البيضاء استنفذت ما تستطيع وباتت خالية من جديدها او المفاجآت…
غدا؛ هل تفيد الفوضى وانهيار النظام والدولة واجهزتها حزب الله ومشروعه؟؟ وهل حقا يستطيع تامين مناطقه؟؟
….يتبع