ميخائيل عوض | كاتب وباحث
سجل في جولة امس من الحرب الدائرة لتحرير فلسطين من البحر الى النهر تطور نوعي بالغ الاهمية، يبني ويجاوز ما حققته جولة القدس ٢٠٢١ التي شكلت منعطفا حاسما في مسارات وصياغة مستقبل القضية الفلسطينية والعرب والاقليم.
فجولة سيف القدس التي وقعت من خارج النص وفرضت عنوة على الاطراف السائدة والمتعايشة، فأوجبتها هبة الاقصى والشيخ جراح، والزمت حكومة نتنياهو وحماس بجولة عنف عاصفة انجلت عن تحولات تاريخية ونوعية.
فقد اعادت صياغة القضية الفلسطينية وتأصيلها كمحورية للعرب والمسلمين، وكمحرك نوعي لأحداث التاريخ والأزمنة منذ قرن وعقدين، واعادت تعريف القضية باعتبارها قضية حق قومي ووطني لشعب مقاوم ابدا ولامه طوعت التاريخ وصاغته بما يطابق قيمها وطبائعها فقاومت لخمسة عقود وانتزعت انتصارات اعجازية في الحروب مع اسرائيل واصحابها ومشغليها الاطلسي وامريكا رأسه مهيمنة عالميا ومتفردة، بينما الامم والشعوب والدول والقارات استكانت وخضعت وقبلت الهيمنة والتفرد والبلطجة الامريكية.
فمعركة سيف القدس كشفت عن عمق التحولات التي عصفت بموازين القوى والاوزان في العرب والاقليم والعالم فشطبت بصواريخ غزة وانتفاضة اللد وبىر السبع وام الفحم وحيفا، ٧٣ سنة من الحروب والتآمر والتسويات ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية وتطبيع الكيان وتأبيده، ودفنت الى الابد مشاريع التطبيع والتسوية وصفقة القرن والابراهيمية، وصبت زيتا على صراعات إسرائيل البنيوية والوجودية، كما اعطت محور المقاومة شهادة على قدراته وما بلغه من شان وقوة وسلاح. اسقطت حكومة نتنياهو ودفعت إسرائيل الى انتخابات ثالثة للكنيست بسنتين.
سيف القدس لم تكن ابداعاتها وتحولاتها النوعية صواريخ غزة واسقاط القبة الحديدية وتأكيد ان القضية والسلاح اصبحت عناصر فاعلة في بنية إسرائيل نفسها وفي ازماتها بل الاهم انها كشفت سر الاسرار فأعجزت العقدة النجار، وابرزت الاهم بين العوامل الفواعل في تقرير مسارات الاحداث ومستقبل القضية فأهل الارض واصحاب الحق من الفلسطينيين الذين بقوا فيها هم من اصبح القوة الفاعلة والمقررة بمسارات الاحداث وتطوراتها. فكان للسيف انجازا عبقريا نوعيا بان قطع على حماس جهودها وتنظيراتها التي تألفت مع الاحتلال ودخلت في تفاوض بوهم توقيع تفاهم لوقف الصراع لسنوات عشر على الاقل وعين حماس على تعزيز سلطتها في غزة ومراكمة المصالح وتامين المرفأ والمطار وحصص في الغاز والبحر، واعمار ومكاسب. الا ان التاريخ والزمن قال كلمته الفصل فالقضية قومية لا تقبل القسمة ولم تعد تقبل المماطلة وترويج الاوهام واطالة امد الصراع.
من سيف القدس حتى جولة الامس استمرت الحرب مستعرة بوتائر منخفضة وتخاض بالجولات والنقاط وليس بالضربة القاضية وبالحرب الكبرى. فتحولت الضفة وكتائبها وابطال عرينها وسرايا جنين الى درع القدس ومسرح الحرب والاشتباك وتحولت فلسطين الى جبهة مفتوحة لأبطال العمليات الفردية وللاشتباكات اليومية ولم يمر يوم لم تقع فيه عشرات العمليات والاحتكاكات وتحولت اسرائيل برمتها وفي جبهتها الداخلية الى ميدان الحرب ما استنزف الاقتصاد والجيش والمستوطنين والثقة والمعنويات، وادى الى تصعيد الصراعات بين قبائل اسرائيل وتهددها الحرب الاهلية.
وبرغم محاولات اسرائيل ترميم صورتها واستعادة قدرتها الردعية من خلال التحرش بإيران مباشرة او بالحرب الناعمة والاعتداءات المتكررة والمكثفة على سوريا وبنيتها التحتية واستهداف قلب العاصمة الامنية والادارية لإضعافها وفكها عن المحور ومحاولة لابتزازها لوقف اسنادها والمحور للثورة الشعبية المسلحة في فلسطين ورفع وتيرة الاستهداف لكسر قواعد الاشتباك بقتل خبراء إيرانيين ومجاهدين لحزب الله، الا ان سورية والمحور بفصائله ودوله تحمل واستمر في مراكمة عناصر القوة والاستعداد للحرب، وحقق خطوة نوعية واستثنائية لا تقل اهمية عن جولة سيف القدس وجولة ربط الساحات التي قادتها لجهاد الاسلامي.
والتطوير النوعي والجديد الاستراتيجي في الحرب ان محور المقاومة قرر عن سبق تصور وبعد اكتمال العدة فتح جبهة الجنوب اللبناني هجوميا ووضع قدرات المقاومة الاسلامية في الحرب دفاعا عن الاقصى ونصرالله للمقاومين في نابلس وجنين، واللد، الامر الذي احدث تغير نوعي في قواعد الصراع وكشف حكومة نتنياهو واسرائيل على عجزها ورهابها وعمق ازماتها وأكيد ان القرار والقوة باتت بيد المحور لا بيد إسرائيل وان اسرائيل اصبحت اضعف من ان تجرؤ على الحرب وتفاوض وتوسط لتلافيها .
٣٠ صاروخ من جنوب لبنان ومن جيل الخرب العالمية الثانية، كاتيوشا وغراد، كان لها فعل جولة حرب بنتائج نوعية وبتطوير الاداء ومسارح الحرب وبتقرير ان القضية الفلسطينية ليست قضية شعب مقاوم وحقوق وطنية فحسب بل قضية امة حان زمن ان تشارك جبهاتها في جولات الحرب، ووضع اسرائيل في عين العاصفة وجرها الى اشتباك مستدام بوتائر متباينة على ثلاث جبهات في ان؛ جبهة الصفة وفلسطين ال٤٨ – جبهة غزة وجبهة جنوب لبنان، والمؤكد ان الجبهة الشرقية “سورية” باتت على جاهزيتها لتدخل الحرب ومعها العراق واليمن وايران.
والاكثر اهمية ان جولة الامس جرت بمبادر من محور المقاومة ومن لبنان ودفاعا عن الاقصى. وفي ظرف سياسي كل مجرياته ليست في صالح اسرائيل بعد ان تفككت احلافها العربية والاسلامية وتمت المصالحة الايرانية السعودية وتجري بسرعة وحماسة المصالحة العربية مع سورية وتتصاعد الادانات العربية والعالمية لإسرائيل واعتداءاتها ومطالبتها بوقف اعتداءاتها على الاقصى ولجم المتطرفين الذين باتو يحكمون اسرائيل وخرجت من مصر والسعودية والخليج الادانات الاهم والاشد لهجة، وامريكا نفسها والاتحاد الاوروبي بذلوا جهود لعدم التصعيد فليس لهم مصلحة بالحرب وإسرائيل لا تقوى ولا تجرؤ على حرب بلا تمويل واسناد وادارة من امريكا والاطلسي.
الى ما تقدم فالأمر كله ومسارات الحرب الجارية بجولاتها وشدتها وعصفها باتت بيد المحور وحده المقرر فيها، وتحولت اسرائيل الى متلقي الضربات والراغب بالهروب من الحرب ….
هل سيذهب محور المقاومة الى الحرب الكبرى وينجز مهمة تحرير فلسطين بالضربة القاضية ام يفعلها بالجولات ؟؟؟
كلا السيناريوهين يصلان بالأمور الى تحرير فلسطين من النهر الى البحر.
فقد كشف الرد الاسرائيلي الباهت والتافه حجم التبدلات التي جرت على موازين القوة وعرى اسرائيل وجسد ضعفها وعجزها وكذا اسقط كل محاولات تعويمها بالإعلام وبالهوبرات والاجتماعات التطبيعية وبهلوانيات التسويات والابراهيمية.
هكذا كسب المحور جولة نوعية تزيد في رصيده من النقاط وتعظم ما اطلقته جولة سيف القدس. والاهم ان الجولة الجديدة قطعت بان الامر والقرار بات للمحور ولم يعد بيد إسرائيل واحلافها، وهذه سيكون لها انعكاسات نوعية ومصيرية على توازنات اسرائيل نفسها وعلى استقرار حكومة نتنياهو بن غفير وستلجم بالضرورة عنتريات وصبيانية بن غفير سموريتش وعدوانيته وقد تطيح بالحكومة واو تسعر التناقضات وصرعات القبائل، كما سترفع من معنويات الشعب الثائر في الضفة وال٤٨ وتؤكد له ان تضحياته وصبره لن تذهب سدا وان التحرير اقرب من الجفن الى العين وما هي الا مسألة وقت ما سيزج بالألاف المناضلين في العمل المقاوم ويزيد في احراج سلطة ابو مازن ويعزز من عجزها وخوائها.
الحرب جارية والمكاسب بالجولات، وجولة الامس من الجولات الفاصلة والنوعية.
فأيام التحرير جارية وانجاز المهمة مسالة وقت تستعجله تصاعد وتواتر الجولات ومراكمة الانتصارات في المعارك بين الحروب.