ميخائيل عوض | كاتب وباحث
عناصر وظروف اسهمت في تقوية اسرائيل في البيئة الفلسطينية والعربية والاقليمية والعالمية وقد انحسرت..
توفرت لإسرائيل كل الظروف والشروط الموضوعية لتعاظم قوتها ولفرض سيطرتها، فبالإضافة الى ما كانت تمتلكه من القوة العسكرية والدعم المباشر والكامل للجيوش والدول والشعوب في اوروبا وامريكا ايضا وفرت لها الحربين العالميتين المزيد منها، فتجزأة الوطن العربي وانتاج كيانات ونظم موالية للغرب وقاصرة وعاجزها عن انجاز الاستقلال وبناء الدول العصرية، وانشغال النخب والاقليات والاسر التي تم تسليطها على الشعوب والدول بمصالحها وتثبيت اركان هيمنتها عبر طلب الحماية والاسناد من الغرب ولاحقا من امريكا المهيمنة، وتقديم فروض الولاء لها، ولتبرير نفسها افتعلت الاشتباكات والصراع مع العربيات الاخرى، وانشغل العرب بحروبهم وازماتهم واشتبكت فصائل حركة التحرر عقائديا وسياسيا وانشغلت عن القضية الفلسطينية وانجاز مهام الوحدة والتحرير، وما اصاب العرب اصاب الفلسطينيين بعد هزيمة ال ١٩٤٨، وتحولت عتلة القضية الفلسطينية الى يدي الأنظمة، وبعضها كمصر وسورية واخريات شهدت حراكا شعبيا وانقلابات واستقرت على شعارات وتوجهات قومية وتحررية بينما الاخريات بقيادة السعودية اوغلت في التحالف مع امريكا والغرب، واقامت العلاقات مع إسرائيل من تحت الطاولة، وصلت الى تمويل حروبها ضد ناصر والاسد وفي الاردن واليمن ولبنان، وعلى اثر هزيمة ٦٧ ومعركة المقاومة ١٩٦٨ وصعود ظاهرات العمل الفدائي ومنظمة التحرير الفلسطينية وتوليها المهمة، ارتكبت الفصائل والمنظمة اخطاء قاتلة يوم استبدلت مهمة التحرير وتوفير شروطها وامكاناتها بالسعي لإقامة دولة بديلة في الاردن ثم في لبنان، وقبول التمويل الافسادي والاغراقي من السعودية وليبيا والعراق والانشغال بملذات الحياة وجمع الاموال لزعماء المنظمة والفصائل، وادت سياسات وتصرفات المنظمات الى نشوء حالة عداء للقضية وللفلسطينيين في الاردن ولبنان وانفضاض الرأي العام العربي عن تأييد المنظمة والفصائل وزاد سعي المنظمة الى الانعزالية وطرح شعار يا وحدنا والمنظمة الممثل الوحيد وانخراطها في محاور الصراعات العربية العربية، ووقعت المنظمة والفصائل ضحية الانقسامات العربية وراهن الرئيس الشهيد عرفات على التسوية وايد زيارة السادات للقدس، وبدأ تفاوض فلسطيني اسرائيلي عبر خطوط ثانوية منذ ١٩٧٣ من خلف ظهر سورية ودول الممانعة العربية، وفضل عرفات فصل المسارات وانجاز اتفاق ثنائي بعكس ما طالبت به سورية من حل شامل وتفاوض عربي موحد، وشهد لبنان معارك وحروب مسلحة بين الفصائل الفلسطينية ومع فصائل لبنانية وطنية، وهيمنت حقبة فساد وافساد في المنظمة والفصائل عمقت النقمة المجتمعية على الفلسطينيين وتاليا على القضية عزز منها مؤامؤات غربية عربية بدعم واسناد القوات اللبنانية التي اتخذت لنفسها شعارات العداء للفلسطينيين والسوريين وارتكبت المجازر بالمخيمات وبتل الزعتر، فنجحت الافخاخ التي نصبت للمنظمة واستدرجت الى التفاوض وتوقيع اتفاق اوسلوا والشعب الفلسطيني منهك ومحاصر ومتشبع نقمة على الدول العربية واجراءاتها القسرية واضطهادها للفلسطينيين، واصبح شعار دولة ولو على ظهر حمار رائجا وجذابا ومطلبا شعبيا، وجاءت اوسلو كثمرة للانتفاضة الاولى وسعي منظمة التحرير للتفاوض والتسوية وبإسناد من مصر والاردن والخليج وكأنها نصر يؤسس للتحرير الكامل، وانتقلت منظمة التحرير وقيادتها والفصائل التي وافقت او قبلت بالاتفاق الى غزة والضفة، وقبلت تسليم السلاح والاعتراف بإسرائيل وشطبت منظمة التحرير من ميثاقها، تحرير فلسطين من البخر الى النهر، وبذلك تم تصفية دور اللاجئين في حمل راية القضية، وانتقلت الراية الى غزة والضفة، التي فرحت بالإنجاز وتوهمت بنتائجه وكمنت روحها وحركتها النضالية، وقد اسهم بتراجع العمل المقاوم زلزال ضرب العالم وتوازناته بانهيار الاتحاد السوفيتي وهيمنة امريكا العنجهية على النظام العالمي ٤ورعاية التفاوض منفردة وفي صالح إسرائيل بلا مواربة. كما ازدادت قوة إسرائيل وهيمنتها ونفوذها في امريكا نفسها عبر لوبياتها والاخطر الايباك الذي اصبح فاعلا ومؤثرا في الكونغرس والبيت الابيض وفي رسم السياسات الخارجية الامريكية خاصة في العرب واقليمهم وقضيتهم المركزية فلسطين وصار الليكوديين حكام البيت الابيض.
غير ان جذوة المقاومة المسلحة ام تنطفا بل انتقلت الى القوى الاسلامية وبرزت حماس ومن ثم الجهاد وفصائل اخرى، ونجحت في توجيه ضربات مؤلمة لإسرائيل ومشروع اوسلو وثقافة المهادنة والتطبيع والتسويات وتصاعدت اعمال المقاومة في الانتفاضة الثانية التي حفزها انتصار ايار ٢٠٠٠ في لبنان، واشعل شرارتها زيارة شارون للمسجد الاقصى، وتقدمت حماس والفصائل الاسلامية وفرضت هزيمة على اسرائيل بتحرير غزة تحت النار وبلا تفاوض، بينما جرى تركيز المشروع الإسرائيلي
وبإسناد مصري اردني خليجي عالمي لتصفية المقاومة في الضفة ونزع سلاحها وحل كتائب الاقصى، المهمة التي نفذها ابو مازن بإحكام بعد اغتيال القائد عرفات واطلاق يد الجنرال الامريكي دايتون الاعادة هيكلة اجهزة السلطة وتحويلها الى قوة لحدية لحماية وتامين إسرائيل والتآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
في سياق اخر امنت امريكا والاطلسي اسرائيل بعد اعلانها دولة بإنشاء منصات لتخديمها وللتعاون معها لتخديم الهيمنة الغربية، وكانت ايران الشاه احد اخطرها الا ان الثورة الاسلامية قلبت دور ومهمة ايران التي تحولت لتكون قوة الدعم والاسناد والتسليح والتمويل الاول لفصائل المقاومة وتركيز الجهد والشعار تحت عنوان القدس ويوم القدس وقوة القدس، فالقدس اصبحت اولوية ايران والفصائل الموالية والمتعاونة، وايران الثورة الاسلامية لم تبخل بشيء ولم تلن او تنكفأ او تساوم او تقبل عروضا لتخليها عن القضية الفلسطينية.
ومن المنصات في الغلاف المحيط التي استندت اليها اسرائيل وشكلة قوة اسناد محورية لها، كانت السعودية ومجلس التعاون الخليجي الذي قاد التآمر على ليبيا وسورية والعراق وسبق ان انهك مصر ناصر في اليمن، وعلى ايران واسند السعودية بغزو اليمن وتدمير سورية والعراق في خدمة إسرائيل وانفاذ استراتيجيات امريكا بالفوضى وتقسيم المقسم، ومحاولات بعث الفتنه السنية – الشيعية، وتامين اسرائيل لقيادة العرب والمسلمين بتحويلها الى عظمى تقود دول صغيرة منهكة ومحتربة وموالية للغرب. الا ان هذه القوة الاسنادية لإسرائيل استنزفت، وخسرت الحروب والاموال وانكفات عن سورية، وقررت وقف غزوتها لليمن وتصاعدت تعارضاتها مع امريكا في الحرب الاوكرانية، واستضافت الامارات الرئيس الاسد ايذانا بالاعتراف بالهزيمة والسعي لفك الحصار عن سورية وجعل مناورات وعلاقات التطبيع مع اسرائيل مجرد حفلات اعلامية وعلاقات عامة لا تغير في موازين القوى المحققة ميدانيا وبالحروب. ومن المنصات التي استندت اليها اسرائيل الاحتلال الامريكي للعراق واستخدام منصة اربيل للتحرش بإيران والحشد وسورية، وجاءت الضربة الصاروخية الايرانية لمقر الموساد في اربيل كعملية كاسرة ورادعة تؤشر الى انتهاء تلك المنصة ووظيفتها، مترافقة مع تحويل الوجود الامريكي في العراق من مقاتل الى تدريب، ومع النتائج الباهرة لهزيمة امريكا المذلة من افغانستان وخسارة امريكا- إسرائيل لمنصاتها ونفوذها في وسط اسيا، ومع الانحسار الامريكي في العرب والمسلمين ينحسر نفوذ السعودية في العالم الاسلامي وتتراجع قدراتها ودور ادواتها الناعمة كما تتحفز باكستان وهي اخر منصات امريكا في اسيا واخطرها في الاسلام بالتراجع الحاد وتتحفز باكستان لثورة شبيهة بإيران في وجه الهيمنة والتدخلات الأمريكية فيها، ما سيؤثر جوهريا على ولاء وتبعية تركيا للناتو والامريكي وقد باتت اخر منصات امريكا الناتو-اسرائيل في العرب والمسلمين، خاصة بعد سقوط الاسلام السياسي السني بثلاثيته؛ الاخوانية والوهابية والسلفية وانحسار الفصائل المسلحة السنية التي اعدتها وادارتها ومولتها الادارة الأمريكية -السعودية والخليج وحاولت تركيا اردوغان عثمنتها، وانكسار موجة الاسلام هو الحل، وانهيار التفاهمات الامريكية الاسرائيلية مع حركة الاخوان المسلمين وخسارتها الحقبة وانهيار نموذجها . وبالنذر التي تقطع بخسارة تركيا لأوهامها العثمانية وتأزمها وارتباكها وهزيمتها في سورية وتراجعها في ليبيا والعراق وافغانستان، وفي جمهوريات اسيا الوسطى والعالم التركي بعد حرب كره باخ وحرب وكرانيا وتأزمها الاقتصادي الاجتماعي. تكون اسرائيل قد خسرت كل واي من منصات اسنادها ودعمها في البيئة العربية والاسلامية والمحيط، وبتأزم امريكا والاتحاد الاوروبي وبانشغالهم بأزماتهم الكارثية وبحرب اوكرانيا وما توفره من مخاطر على استمرار السيطرة الامريكية وما ستؤديه من تفكيك الناتو واحتمالات تفجير الاتحاد الاوروبي، تكون اسرائيل قد خسرت كل عناصر الاسناد والدعم العالمي والاقليمي والعربية، وبانتقال عتلة الحركة الوطنية الفلسطينية الى فلسطيني ال٤٨ وتحفيز الضفة على الانتفاض المسلح تخسر ايضا إسرائيل نقاط قوتها ونقاط استنادها الفلسطينية.
هكذا انتجت التطورات والاحداث والحروب خلال ال٧٣ سنة على اعلان دولة اسرائيل تحولات فرط استراتيجية كلها في غير صالح اسرائيل وتجردها من عناصر قوتها واسنادها ودعمها.
…يتبع
غدا؛ في عناصر قوة مجور المقاومة وتصاعدها…
التحرير ات ات