ميخائيل عوض | كاتب وباحث
منذ اشهر تسوق حملة اعلامية وترويجية وتنشر مناخات واجواء تقول بان شباط سيكون شهرا فاصلا في الحياة السياسية اللبنانية وفي الازمة وبعضها قرر وروج لانهيار منظومة محور المقاومة من طهران الى دمشق وبيروت وغزة وصنعاء، وتكاثرت الاحاديث والتنبؤات عن ان شيئا خطيرا سيعصف بالطبقة السياسية والمنظومة في لبنان، وخاصة بحزب الله وحلفائه وان الذي سيكون سيقلب الاوضاع رأسا على عقب، ليعود لبنان الى سابق عهده منصة ركنية لإنفاذ السياسات والمصالح الامريكية في الشرق والعرب، وتحقيق ما تصبو اليه اسرائيل وحلفها.
وبرغم محاولات استجلاء الامور من مروجيها، ولم يملك او يجرؤ احد على الافصاح بما لديه، وعلى ماذا يبني تنبؤاته. والاصح انه ربما لا يعرف وليس واثقا مما يروج، كالفضائيات وابطالها ووسائط التواصل المدفوعة الاجر، او التي تعيش الاوهام والرهانات كأنها حقائق في الواقع، والتي تقاد عن بعد عبر غرف سوداء وفي العالم الافتراضي.
والعقل المنهجي الواقعي يضطرك للتعامل مع تلك الاطروحات من زاوية عملية ومنهجية تدفعك للبحث عن البجعة السوداء، حاسبا ان الزمن والاحداث قد تبطن ما لا تعرفه ولا تستطيع رصده وتقدير نتائجه ومساراته، فحسبنا لاحتمال ولو ضعيف بان تقوم إسرائيل والاطلسي بعدوان واسع تدميري على سورية ولبنان وغزة وعند التدقيق خلصنا الى انها عاجزة ومنشغلة بأزماتها التكوينية وبخطر حروبها الاهلية، وبالانتفاضة في الضفة وفلسطين ال٤٨، وتثبتنا من ان امريكا والاطلسي اعجز من القيام بمغامرة حمقاء في واقع أزماتهم البنيوية ولنتائج العملية لعسكرية الخاصة الروسية في اوكرانيا واثارها الكارثية على مستقبل الاطلسي ودوله، وقلنا في المحاججة بافتراض انه سيقع عدوان فما الحسابات بان تكون النتائج في صالح أمريكا واسرائيل وادواتهم في لبنان، وضربنا امثلة؛ كحرب تموز وحروب غزة وغزو اليمن والحرب العالمية العظمى في سورية والمحاولة البائسة والفاشلة في ايران وحرب الممرات والناقلات والمسيرات والسفن.
اجهدنا العقل واجتهدنا في البحث فلم نعثر على اثر في الواقع وتوازناته، او مقدمات يعتد بها لتلك الاوهام الرائجة. فاستخلصنا ان تلك التنبؤات ليست الا اضغاث احلام تراود المهزومون وتصنع لهم خيالات واوهام.
لم نفاجئ ان كل مبنى تنظيرات الانقلابية في شباط اللباط تستند الى وهم وسيناريوهات خلبيه “فشينك” وقد اتضحت الامور مع الاعلان عن وفود قضائية اوروبية وضغوط امريكية في ملف معتقلي المرفأ، وبإزاء المصرف المركزي وحاكمه، وترقب فيلم وثائقي فرنسي مفكك وصبياني تافه شكلا ومضمونا، وزادت الامور توضيحا في عنتريات القاضي العدلي بيطار وقراراته الهميونية اثر لقائه بالقضاة الاوروبيون في منزله، التي ترافقت مع همروجة أهالي الضحايا واعتصام لنائبي التغيير في البرلمان وليس منقطعا عنها خطاب القوات اللبنانية والكتائب العالي السقوف بما يخص الانتخابات الرئاسية، والدعوة للتقسيم والفيدرالية، كعضاة مطران بيروت للروم الارثوذكس. ويبدو ان رهانا كبيرا كان على اللقاء الخماسي في باريس الذي خرج منه دخان اسود وتأكد ان احدا غير جاد ولا مهتم ولا مشغول بلبنان وازمته والسعي لإخراجه من المستنقع الاسن الذي وضعته فيه منظومة النهب المافياوية اللصوصية.
ولم تخرج زيارة الوفد النيابي” غير الرسمي” الى واشنطن بحثا عن موظف من الدرجة الرابعة في الادارة الامريكية لاستدراج تدخلات او استجداء فرض عقوبات وقد عاد الوفد مخذولا ومبصوق في وجهه. وايقن الواهمون والمراهنون على ان لا شيء في جعبة امريكا والاتحاد الاوروبي والسعودية ومصر وقطر، وليس لفرنسا او امريكا مرشحا رئاسيا وقطر ومصر ليست مهتمة والسعودية في واد اخر….
اذن؛
يعزف شباط اللباط ايامه على ثلاثة اوتار؛ فقد بسط الابيض والخير في لبنان والمنطقة كبشرة سارة مفرحة. واعقب خيره وابيضه بأعلى درجات الشر، فاكتست المنطقة ثوب الحداد الاسود بالزلزال الذي ضرب سورية وتركيا فاهتزت الكرة الارضية وكأنها تتراقص على وقعه، ومن رعد الأرواح البشرية وعويل العائلات المتضررة والمثكولة التي جوعها قانون قيصر والكبتاغون الامريكي وحرب التجويع الظالمة على سورية وبمشاركة الاخوة والاشقاء الأشقياء، وناكري الجميل. فخسائر الزلزال في سورية وتركيا جاءت مهولة بالبشر والحجر، واثار الزلزال وهزاته الارتدادية موجة رهاب ورعب هائلة في النفوس وزاد من القلق احتمالات دفع وتيرة القلاقل والاضطرابات، وبدأت نذر الخير في شرور شباط وزلزاله، عبر الاتصالات مع سوريا والمساعدات التي تؤسس لكسر الحصار واسقاط حرب التجويع…
ايام شباط لم تنتهي بعد، ومازالت في اسبوعها الاول، وربما في جعبته بشائر خير بل ربما مضار ودمار.
في بشائر خيره؛ ترجيح احتمال عقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية تحقق الدستورية بنصابها وينتخب فيها رئيس بالنصف زائد لا فرق واحد او عشرة فقد تعثر سيناريو الانقلاب وانكشفت الاوهام على الخارج وخابت الرهانات على انتاج حلول في باريس او القاهرة والدوحة والرياض.
شباط اللباط يضع لبنان مستعجلا امام احد الخيارين: اما الانهيار والشواهد والوقائع تتكاثر كالفطر، او الانتخابات الرئاسية لينصب رئيسا في قصر بعبدا بأكثرية النصف زائد ويقضي الله امرا كان مفعولا.
لتبقى رئاسته ولبنان مهددا بالانفجار والارتطام الكبير ما لم يحسم الفاعلون امرهم ويقرروا ويقروا مشروعهم ورؤيتهم لاحتواء الازمة والخروج بالبلاد من خطر الانهيار، ويتشكلون فريقا داعما للرئيس مبادرا لتوفير ظروف وشروط الاحاطة بالأزمة والعبور الى علاجها ولو اقتضى الامر عملية جراحية موضعية سريعة وحاسمة.
فشباط لبط وشبط ورائحة الحل فيه فان لم يفعلها في ايامه الباقيات فأذار الهدار اخر الزمن المتاح.