ميخائيل عوض | كاتب وباحث
في محاولة لتعويض الهزائم والاخفاقات ولإشغال الاعلام والعقول الفارغة او المحشوة بغباء عبادة الصنم الامريكي المتهالك، اطلق بايدن في قمة العشرين في الهند التي امتنع الرئيس الصيني عن المشاركة فيها تقزيما لأمريكا وتحالفاتها وتشكيلات نظامها الاحادي، اطلق الرئيس الامريكي المتهم بانه في حالة الخرف مشروعا استراتيجيا حلم واسماه طريق الحرير الهندي.
لم تكد تذر الرياح كلمات بايدن حتى تبارى الكتاب والمحللون في التنظير والاشادة وبناء قصور الرمال وتوازنات الهواء والخيال وتباروا في كيل المديح للمشروع “الفكرة بل الكذبة” ويصح فيها كذبة القرن تماشيا مع ما سبقها من كذبة صفقة القرن وكذبة انشاء قناة موازية لقناة السويس لتامين إسرائيل وتحويلها الى عقدة المواصلات والشحن.
نَصِفها بكذبة القرن بلا تجَّن او استخفاف، فهي كذبة موصوفة لا اساس مادي لها ولا فرص او احتمال لتحقيقها، وليس من قوى او دول او توازنات تجعل منها او حتى بعضها واقعا كسوابقها المذكورة اعلاه.
وللمناسبة ذاتهم الكتاب والمحللون والاقلام التي اشتغلت بالكذبتين وملأت دنيا الاعلام والوسائل ضجيجا وسيناريوهات يمارسون مهنتم في ترويج الاكاذيب والاوهام ويعجقون الصفحات والمجموعات بترهات يسمونها تحليلات ورؤى استراتيجية .
فبايدن وفريقه اخترع الكذبة للتعويض عن صفعة عدم حضور الرئيس الصيني قمة العشرين، واطلق الكذبة لإشغال الاعلام وايهام الامريكيين والهنود بان لأمريكا دور عالمي مقرر في مسارات التطورات الاستراتيجية المستقبلية، وفي تقرير اوزان الدول الاقليمية والعالمية، ولم يتجاهلها رئيس وزراء الهند لأنه كما بايدن في حملة انتخابية ستقرر مستقبله، ومادام بايدن من صنع الكذبة واطلقها فليس من خسارة.
اما في واقع الحال فالهند ليست في وارد وربما هي لم تفكر اصلا بطريق حرير هندي ينافس او يقطع استراتيجية الطريق والحزام الصيني الذي لحظ موقعا ودورا محوريا للهند وباكستان وايران ، كما ان الهند لم تبذل جهدا تحضيريا ولا امّنت قواعد انطلاق وارتكاز لكذا مشروع بينما الصين بداته منذ ٢٠٠٤ وامّنت منصاته وممراته ونقاط ارتكازه من اسيا الى افريقيا امتدادا الى روسيا وامّنت مقدّمات العمل ليكون المتوسط بحيرة عبور محورية للطريق والحزام، واتمت كل استعداداتها وامنت الظروف، وجاء اعلان انتقال الصين لأول مرة في تاريخها من الدفاعية الى الهجومية ومن الخمول الى المبادرة عندما رعت المصالحة الاسلامية – الاسلامية بين ايران والسعودية، و سبق ان وفرت كل المقدمات والاسباب لتامين اهم منصّات الطريق والحزام في الشرق العربي والاسلامي والمتوسط والاطلالة على اوروبا ووصل اسيا بإفريقيا عبر سورية المنصة التاريخية التي تتحكم برياح الارض الاربعة والتي شكلت اول نقاط ارتكاز عودة روسيا لاعبا اقليميا محوريا متفاهما استراتيجيا مع الصين لتسريع ولادة عالم ونظام جديد وقد شكلت مبادرة روسيا في عاصفة السوخوي ايلول ٢٠١٥ لحظة اطلاق الصفّارة ومعها اصبحت روسيا لاعبا هجوميا ومحوريا في الاقليم والعالم، وفي السياق يذكر انه في٢٠١٢ مارست الصين وروسيا فيتو مزدوج في مجلس الامن دفاعا عن سورية وكان ذلك بمثابة اعلان تحالف روسيا والصين لحماية سورية وتأمينها فهي عقدة الوصل والفصل في تامين النفوذ والعالمية وفي تامين الطريق والحزام، واقفال طرق امريكا والاطلسي ولو سُمّي طريق الحرير الهندي.
ولقطع الشك باليقين، ارسل الرئيس الصيني طائرته الرئاسية الخاصة لتنقل الرئيس الاسد والوفد المعزز المرافق للصين للاحتفاء به كضيف استثنائي في افتتاح الالعاب الاسيوية ولعقد اللقاءات المثمرة التي اعلن بعد لقاء الرئيسين والوفدين عقد شراكة استراتيجية لم يسبق ان وقعته الصين الا مع الدول المحورية في بناء المستقبل وفي تأمين الحزام والطريق ، كروسيا وبيلاروسيا ودول في وسط اسيا لا يربو عددها عن الخمسة.
فزيارة الاسد في التوقيت والمناسبة والشكل وحفاوة الاستقبال والنتائج، واعلان الشراكة الاستراتيجية وفي كلمات الرئيسين قطع نهائي للأوهام والاكاذيب والفبركات بما في ذلك ما سبق من حملة تهويل وتوهيم بان امريكا ستشن حربا لقطع طريق دمشق – بيروت – بغداد – طهران – كابول – موسكو، فجاء الرد عمليا وسريعا وكذلك من سورية وتأكيد بان الصين تحولت الى الهجومية ولا عودة الى الكمون والدفاع .
وفي زيارة الاسد بطائرة الرئيس الصيني دلالات بالغة الاهمية، واعلان قرار كسر الحصار عن سورية واسقاط حروب العقوبات والحصارات ، واشهار التحولات التاريخية والفرط صوتيه التي جرت وتجري وتغيُّر توازنات القوى والاوزان وتكشف عن الارادات والتصميم على انهاء ودفن العالم الأنكلو -ساكسوني العدواني والاستعماري وتسريع مخاض ولادة العالم الجديد.
ولابد من ربط زيارة الاسد للصين بالاستقبال والحفاوة الروسية برئيس كوريا الشمالية كيم ايل جونغ، وعلى ذات الاهمية اعلان تحالف دول الساحل الافريقي ، بوركينا فاسو، النيجر، ومالي، والامور هذه تجري ليس صدفة او مجرد تقاطعات زمنيه، فبعد ان تحولت السعودية واتخذت مسافة عن الاملاءات والاوامر الامريكية، وتتأزم اسرائيل وتنهض مقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة وفلسطين ال٤٨، وبعد ان اصبحت ايران كاملة العضوية في شنغهاي، وعقد القمة الافريقية الروسية في موسكو، ومن ثم البريكس في جنوب افريقيا، تتقدم العلاقات المصرية – الايرانية لتشهد تحولا نوعيا وعاصفا يتراصف مع السوابق وكلها تؤشر الى مسارات جديدة للأزمنه والأحداث وتوازناتها وترسم ملامح العالم الجديد الجارية ولادته من الخاصرة الاوكرانية، بعد ان اشتد المخاض وعصف الطلق في جغرافية العرب والمسلمين وتقدمت روسيا والصين كعوامل مساعدة في تسريع الولادة المتعثرة.