كتب ميخائيل عوض | تحليل معمق وشامل؛ سنة على العملية القيصرية من الخاصرة الاوكرانية.. رابحون وخاسرون والحرب مستمرة… لمن يعقد النصر؟؟ اي عالم جديد يولد؟ (4)
ميخائيل عوض | كاتب وباحث
روسيا رابح واعظم الرابحين بغض النظر عن الكلفة ..
المحاربون؛ لا ينشغلون بكلفة الحرب واثمانها المادية والبشرية ولا يستعجلون الاوقات، ولا نهاية الحرب باي ثمن، فجل اهتماماتهم تنصب فقط على انتزاع النصر، بفرض الشروط وتحقيق الغايات… فكيف بحرب بدأت عملية خاصة وتحولت الى حرب شاملة وتتخذ صفة العالمية العظمى…
المنظرون والمحاربون على وسائط التواصل والفضائيات ينشغلون بالمواعيد ويستعجلون اطلاق الاحكام وتسطير النتائج التي تنطبع في مخيلاتهم لا وقائع ومسارات الحرب والمعارك.
لهذا نحن نميل للتعامل مع الحرب ونتائجها ومساراتها تبعا لما يفكر به المتحاربون، ولوقائع الميدان، ولطبيعة الحرب الشاملة وتفاعل فروعها وعناصرها وساحاتها، لا ما تنتجه مخيلات ابطال الفضائيات وكهنتها والواعظين فيها.
روسيا رابح رابح واهم الرابحين وقد ربحت الازمنة والمستقبل وربحت دورا محوريا في صياغته على الكثير من قيمها ونمطها واهدافها.
تلك حقيقة الخبرات والتجارب للشعوب؛ فمن ينتصر يكتب التاريخ ويقود المستقبل…
ربحت روسيا، بقائها، ووحدتها وحريتها وكرامة شعبها ونجت بقيمها وثوابتها وجغرافيتها وثرواتها، وتحقق ربحها من الطلقة الاولى للعملية الخاصة في اوكرانيا بعد ان استنفذت الدبلوماسية والسياسة والاقتصاد وخطاب المصالح والتفاعل، والسلامية، ولم يبقى لها الا السيف والبتر. فالسرطان الاطلسي اقترب كثيرا من عنقها ومن قلبها موسكو، واعدت خطط غزوها وتفتيتها، لتحقيق الحلم الانكلو- ساكسوني منذ قرون لاحتلال روسيا ونهبها باعتبارها الارض البور كما في قاموس الانثربيولوجيين الأمريكيين وعلى راسهم هنري كيسنجر….
ونجحت دوما في هزيمة الغزوات وانتصرت في الحروب بغض النظر عن الكلفة والمدة الزمنية. ودوما كانت تخسر في البدايات لتضحك كثيرا لأنها تضحك اخيرا.
اوقفت بالنار والدم والحديد مخطط محاصرتها والعبث ببنيتها وتطويقها ووضع موسكو تحت الصواريخ النووية القاتلة لمقايضتها على الاستسلام. وما ان بدأت العملية العسكرية حتى حققت اول واهم اهدافها بحماية نفسها وتحصين جسمها وانتقلت من الدفاع الى الهجوم، من المفعول به الى الفاعل المحوري في تقرير مستقبل اوروبا والاطلسي والعالم الساكسوني الهرم وفي السعي لتوليد العالم الجديد، واللافت انها تعرف ماذا تفعل وقد قالها بوتن صريحا؛ اننا في الحرب نولد عالما جديدا يرث عالم ،العدوان والطغيان والحروب والاستعمار العالم الانكلو ساكسوني.
ربحت بان حررت المقاطعات الاربع ذات الكثافة السكانية من الناطقين بالروسية والمناطق الاكثر ثراء وثروات في اوكرانيا صناعيا وعلميا وثروات مائية وباطنية ومنتجات زراعية وعلى طول الحدود الغربية لروسيا ووضعت يدها على بحر ازوف واصبح بحيرة روسية خالصة وعينها على اوديسا التي كانت يوما عاصمة القيصرية الروسية وللهيمنة على البحر الاسود.
وفي ظم المقاطعات واعتبارها ارض روسية مع القرم والى الابد وضع بوتين والنخبة الروسية اساسات وزوايا المشروع الروسي للقرن الجاري تحت عنوان؛ روسيا الجديدة والاصح روسيا العظمى وستستعيد كل الاراضي والمقاطعات الناطقة بالروسية وتضمها واو التي كانت روسية وجرى توزيعها الى جمهوريات وضمها لدول وشعوب اخرى مع الثورة البلشفية والاتحاد السوفيتي.
روسيا الجديدة والعظمى تسعى الى هدفها لتكون كما تاريخها محور التطورات الاوروبية والاسيوية وتعمل على الافادة من هذه الميزة، وقد ارست قواعد متينة للاوراسية مع الصين وايران وشنغهاي وتحالفاتها وانفتاحها على اسيا ومحاولاتها كسب المانيا واليابان قبل ان تفرض الحرب نفسها وتعطل الجهود السلمية والتعاونية التي بادرت لها روسيا على مدى عقود سلطة بوتين ونخبته.
روسيا رابح وكسبت الحرب حتى لو توقفت اليوم وعند خطوط الجبهة.
فالنصر يحتسب بالقدر الذي تتحقق فيه من اهداف المحارب.
وروسيا على لسان بوتين وقيادتها اعلنت اهداف متواضعة، وقابلة للتحقيق واعطت دوما فرص للتفاوض والسلام، فقد اعلنت الحرب باعتبارها عملية خاصة لا حرب شاملة، وقال بوتين؛ نريد اوكرانيا محايدة، بلا انياب، سلامية لا اطلسية، ونريد سحق النازية الجديدة، وحماية مواطنينا الروس في اوكرانيا.
ماذا تحقق حتى الان؟؟؟
الجواب؛ ٩٠% من الاهداف المعلنة، فأوكرانيا اصبحت شبه مجردة من السلاح ودمرت قوتها وجيشها ومستودعاتها وقياداتها ومصادر الطاقة والبنى التحتية العسكرية والمدنية وانتزعت المقاطعات الثرية وجردت من اي عناصر قوة. وتحولها الى السلاح الغربي وفرق المرتزقة وتشكيلات المليشيات تحسب عليها لا لها، ومن الصعب جدا قبولها بالناتو ناهيك عن حاجاتها لألاف المليارات من الدولارات لترميم بنيتها وانهاضها ان سمح لها الزمن بان تبقى دولة موحدة، والراجح انها ستوزع بين روسيا وبولندا ورومانيا على ما كانته سابقا بحسب زعم الروس قبل الحرب العالمية الثانية.
وفوق الاهداف المحققة انجزت روسيا اقتطاع ٢٠% منها واعلن بوتين ضمها واصبحت ارض روسية تحت حماية القوة النووية والجو فضائية.
اما احتلال كييف واوكرانيا وتنصيب حكومة موالية لروسيا تستنزفها، فهذه لم ولن تكون على جدول اعمال بوتين وقد درس والنحبة الروسية جيدا وعميقا تجربة الاتحاد السوفيتي وتخلصوا من سلبياتها ولهذا استبدلت وحدة الامم في دولة غير منسجمة كالاتحاد السوفيتي بالسعي لروسيا العظيمة ” دولة الامة وإمبراطوريتها العظيمة”.
ليس مهما كم تكلفت روسيا على عمليتها وما هي خسائرها العسكرية وانكشاف اعطاب جيشها وتسليحه وادارته فهذه تفاصيل يعالجها المحاربون اثناء الحرب لا قبلها فالجيوش غير المحاربة لا تظهر ازماتها ومشاكلها وحاجاتها للتطوير واعادة الهيكلة والاسلحة لا تكتشف ثغراتها الا في الحرب العملية ذاتها.
ربحت روسيا بان اضطرتها العقوبات والحصار الى اعادة هيكلة بنيتها الاقتصادية والاجتماعية وتخلصت من اللصوص والاولغارشية والليبراليين الاقتصادين ومن مروجي اقتصاد السوق والليبرالية المتوحشة. ووضعت يدها على المشاريع والشركات الأوربية والامريكية التي انسحبت من الاسواق وباتت شركات وطنية بأموالها وملكيتها والعاملين فيها، واعلن بوتين في خطابه الاخير دخول روسيا حقبة الاستقلال والسيادة الاقتصادية الكاملة وتطوير كافة القطاعات لاسيما التقنية العالية وليس ما يمنع روسيا وقدراتها الهائلة في هذا السياق من تحقيق غاياتها وبذلك ربحت روسيا نفسها وعززت موقعها ودورها الريادي في اقتصاد المعرفة واقتصاد العقل والثورة التقنية الرابعة.
ربحت روسيا في اشهار الاختلال في التوازنات والقدرات العسكرية وفي امتلاكها احدث واخطر الترسانات التي يحتاج الغرب لعشرين سنة ليصل الى ما وصلته، والاكثر اهمية انها تحت جنح الحرب وضعت يدها على القطب الشمالي وثرواته وضمت مساحات تجاوز المليون كيلو متر مربع ونشرت القواعد والاساطيل النووية ووضعت يدها على جزر وحقول نفط وغاز، كانت عين امريكا واوروبا عليها لتمويلها بدل الروسي، وطوقت حلف ماركوس وحققت تلامس جغرافي مع امريكا وبرها في الاسكا.
( قامت روسيا بضم جزر سفالبارد النرويجية ومن خلالها محاصرة النرويج وضم اراضيها الممتدة بالقطب الشمالي وصعق وبهت الجميع حين شاهدوا وجود قواعد واسلحه واعلام روسيه على تلك الجزر. بدأت روسيا على الفور التنقيب عن الغاز والبترول في امتداد أراضي النرويج بالقطب الشمالي.
أدى التواجد الروسي فى الجزر النرويجية بهذا الانتشار المكثف الى تهديد لأهم خط غاز نرويجي يغذى بريطانيا، واوروبا وسط حالة خوف ورعب من تعرضه للتخريب من جانب روسيا ردا على تخريب بريطانيا خطوط الغاز الروسية نورد ستريم ١،٢.
نشر صواريخ نووية بجزر كوريل وهى محل نزاع بينها وبين اليابان لتصبح روسيا قادره على محو اليابان خلال ٣٠ ث، ومع قيام اليابان بفرض عقوبات على روسيا فقد حظرت روسيا الملاحة والصيد واي حركة شحن من وإلى اليابان في نصف مساحة مياه اليابان الإقليمية بقوة وبطش البحرية والجيش الروسي بجزر كوريل الواقعة حاليا فى قبضة الجيش الروسي ) .
هذه المكاسب تساوي مليارات الخسائر المادية التي تسببت بها الحرب والحصار ومصادرة الاصول المالية الروسية في الغرب.
كسبت روسيا ان عملتها اصبحت عالمية وقوية ومدعمة بالذهب وقابلة للتحويل، واصبحت منظومة مير للتحويلات والسحوبات عالمية، وتحصنت قدراتها بينما العملات الغربية في حالة اهتزاز وقلق والراجح انها ستنهار.
عززت روسيا بعدها الاسيوي والافريقي وفي امريكا اللاتينية وتزاحم اوروبا وامريكا في مناطق نفوذها ومستعمراتها التي كان نهبها سببا بصنع اوروبا واستقرارها ونمط حياتها كما امريكا نفسها.
امنت روسيا نفسها في سوق النفط والغاز والغذاء والاستهلاك مع شركاء جدد على قاعدة تبادل المنافع.
والاهم والاكثر اهمية في ربح وارباح روسيا انها تتراكم ولا فرصة او احتمال كي تتراجع ومنها ان روسيا تولت مهمة قيادة عملية توليد العالم الجديد، وطبعه بطبائعها.
ليس من احتمال صفري ان تخسر روسيا الحرب، فقد اعلنها بوتين واعد العدة ووضع القوات النووية في حالة الاستعداد وبلغت ال٩١% من الجاهزية ووضع امريكا واوروبا تحت النار واعطى المؤشرات والوقائع والمعلومات واستعرض القوة والسلاح تأكيدا على قدرة روسيا على تدمير اوروبا وامريكا بضربة واحدة وهكذا استخدم بتقانة واحترافية عالية قدرات روسيا وقالها على الملأ؛ ما فائدة العالم بلا روسيا، وزيادة انه عارف بما هو جار وعارف بما سيكون وقرر العمل ليكون الغد في صالح روسيا وقيمها وثوابتها ويعزز مكانتها.
روسيا اكبر الرابحين والاهم انها تراكم المكاسب والارباح، بغض النظر عن بكائيات المنظرين عن الاكلاف المادية والبشرية وعن متاعب الجيش وتقادم تشكيلاته، وتكتيكاته، فتحسب الحروب عند المتحاربين بالنتائج وبتحقيق اهداف الحرب لا بالمسارات والاكلاف والاهوال.
غدا الخاسرون…
…/يتبع