ميخائيل عوض | كاتب وباحث
في زمن حقب الغليان والتحولات النوعية، وفي واقع ان العالم والبشر اصبحوا في واقع التواصلية والجو- تواصلية وتقانة البلوك تشين، والعملات الرقمية ودخلت الحياة البشرية النطاق المحيط للعالم الافتراضي، اصبح كل حدث صغيرا او كبيرا وفي اي زاوية من الكرة الارضية والنطاق يترك اثارا في التطورات والاحداث بما فيها التاريخية والكبرى وفي ما كان يسمى دول المركز فالشبكية انهت الهرميات والمراكز ووزعتها في اقنيتها ومسارحها.
روسيا اعلنت حلفا بين قطبي اوراسيا روسيا والصين في قمة مهيبة وبيان لتأسيس النظام العالمي الجديد، وانذرت الناتو وامريكا ممنوع الاقتراب من مجال الامن القومي واكرانيا وكييف اخطر منصات ونقاط امن روسيا والجغرافية والبوابة الجيواقتصادية-سياسية -بوليتيكية لروسيا منذ صارت قوة وتسود، وفي الانذار الروسي قرار جازم بان ضم اوكرانيا للناتو تستدعي حرب ولو صارت كونية بمعنى يجاوز الكرة الارضية الى مختلف النطاقات، وبوتين الذي ادرك خاصيات روسيا ومكامن قوتها وعظمتها وعرف بدقة مكامن ضعف الناتو وامريكا ويجيد اللعب والمناورات وحقق جيشه مكاسب جمة تراكمت وتجسدت بقفزات نوعية في ادارة الحروب والمعارك واكتساب مهارات وتقانة وبلغت صناعات المؤسسة العسكرية الروسية مكانة متفوقة لعشرين سنة على الغرب ومنظوماته واسلحته ايضا اتقن ادارة الحروب بأجيالها الجديدة السيبرانية واسقط صاروخ روسي قمرا صناعيا وامتلك الجيش الروسي اكثر الطائرات الحربية تقدما وتفوقا اضافة الى الصواريخ والغواصات الفرط صوتيه وباتت امريكا بجغرافيتها في متناول الصواريخ والاسلحة وهذا تطور غير مسبوق في تاريخ حروب ووجود امريكا نفسها وتقرير مستقبلها في اي حرب قادمه.
وكالعادة يرفق بوتين تهديداته وانذاراته بعرض عضلاته في مناورات واسعة واستعراض القوة وقد حققت روسيا في النظرية العسكرية وعلومها نجاحا غير مسبوق في الاستعداد والتمرينات لخوض الحرب بدمج القوة الجو- فضائية والاسلحة النووية بالتساوق مع المعارك الجزئية وبالسلاح الخفيف والميليشيات والوحدات الخاصة وبالروبوتات وهذه امور يعرفها خبراء الناتو والبنتاغون وقد مارسها الجيش الروسي بالمعارك والمناورات امام اعين وتحت رقابة الناتو وامريكا.
ولان امريكا اعتادت وادمنت الحروب الافتراضية وعبر الاعلام وتفترض انها ستكسب الحروب بهذه الوسائل ولم تتفهم بوتن وجديته وحزمه شنت حربا اعلامية تهويليه مكلفه وعاصفة وقررت عن بوتين موعد غزو اوكرانيا علما ان بوتين واستراتيجياته الحربية لمن تابعها وتعرف اليها لا يضع على جدول اعماله الغزو والتورط والانغماس بحروب استنزافية كما فعلها السوفييت في تشيكوسلوفاكيا وافغانستان واستبدلها باستراتيجية الضربات القاصمة وباستخدام القوة الجو فضائية والاتكال على الحلفاء في الميدان كما تفيد التجربة السورية، وتجربة جورجيا وأوكرانيا واخر التجارب كازاخستان.
اتمت القوات الروسية الجزء المخصص لغربها وشمالها من المناورات مع بيلاروسيا ولم يرتهب بوتين ولم يعط امريكا ذريعة لفرض الحصار على روسيا بهدف تأزيمها وقطع امدادات الغاز والنفط عن اوروبا لاستعبادها وتحويلها الى جمهوريات موز تحت الحذاء الامريكي وسوقا لتصريف النفط والغاز الصخري الامريكي بخمسة اضعاف سعر النفط والغاز الروسي فأمريكا لم يعد يهمها حلفاء بل في ازمتها تريد عملاء واسواق وعبيدا لتخديمها.
كما ادار شويغو المناورات بتقانته المعهودة ادار لافروف دبلوماسية النار والحرب وانتزع قرارا بعدم ضم اوكرانيا لحلف الناتو ووقف تمدد الناتو الى خواصر روسيا القاتلة كما وسع شقة الخلافات بين المانيا وامريكا ومع فرنسا ودول اوروبا الشرقية التي اعلنت جميعها الحياد في الصراع، واعطى بوتين الأوروبيين درسا بليغا وثمينا وقدم روسيا مدافعا عن اوروبا وشعوبها في وجه غطرسة امريكا وصلف قادتها.
حقق بوتن كل ما اراد من مكاسب وقدم امريكا على حقيقتها وازماتها واسقطها بالجولة الحاسمة وحقق لروسيا مكانة الند الجاهز والقادر على حماية روسيا ومصالحها وحلفائها وتوفير شروط تحرير أوروبا وشعوبها من الاستعباد الامريكي.
ماذا بعد ؟
مسارات التاريخ متشابهة وليست متطابقة فمواعيد انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومته وسقوط حلف وارسو وواقعاتها تتشابه كثيرا مع الجاري بإزاء امريكا وانكسارها وتفكك احلافها وسيطرتها العالمية لإعادتها الى جزيرتها لتتمخض عن جديدها وازماتها.
سجل التاريخ موعد هزيمة السوفييت في افغانستان ثم تبعه موعد سقوط جدار برلين ومن ثم اندثار الاتحاد السوفيتي والزمن جاري شبيها لجهة مسارات انحسار الهيمنة الامريكية على اوروبا وفي العالم.
فلنسجل تاريخ هزيمة امريكا المذلة في افغانستان وسقوط جدار برلين الامريكي -الاطلسي من اوكرانيا ليبدأ انهيار احجار الدومينو، والاتية في شرقنا العربي بين فلسطين وسوريا والعراق او انفجار تركيا فالاستراتيجية الروسية لأسقاط الناتو ودفع امريكا الى جزيرتها تتركز على تصفية الوجود والقواعد الامريكية في سورية والعراق والكيان الصهيوني وانتزاع تركيا من الناتو او تفخيخها وهذه هي مسارح وساحات الاشتباك في قادم الايام.
اولى واهم العلامات زيارة شويغو لسورية ولقائه الاسد فسوريا كانت منصة روسيا للعودة الى العالمية ويجب ان تُكافَىء وتكون شريكا في صناعة الاقليم والعالم الجارية.
وقد يقول قائل ان الشركات الامريكية حصدت اموالا وفيرة من ارتفاعات اسعار النفط وهذه من بين اهداف امريكا، وبان الترهيب من حرب مع روسيا وحد المجتمع الامريكي وتعويم ادارة بايدن المترنحة وهذه ايضا واحدة من اهداف الحملة الامريكية الا ان الانجازان مؤقتان وسرعان ما سينقلبان على ادارة بايدن ويعود ترامب الى الكونغرس والبيت الابيض وهو الموصوف برجل بوتين في واشنطن.
هكذا هو مكر التاريخ فمساراته يوما لك ويوم عليك وقد جاء يوم امريكا وثأر الشعوب والامم منها ومن آثامها وعنجهيتها العدوانية.
لكل فرعون موسى.