ميخائيل عوض | كاتب وباحث
تتسع شقة الخلافات في العلاقات الامريكية السعودية-الخليجية وقد تصبح العربية وقد تتحول الى فرقة، واشتباك كما تشير تصريحات مسؤولين في الادارة الامريكية والكونغرس ممن يطالبون بضرب السعودية وقطع العلاقات ووقف بيعها السلاح. وبالمقابل تبدو تسريبات السعودية ذات مغزى عن عزمها بيع سندات الخزانة الامريكية المملوكة منها وتسعير النفط باليوان والعملات الاخرى .
اما على الضفة الاخرى فتكثر التسريبات والتوقعات عن تحولات في اشرعة ايران وتضج الوسائل بترجيح احتمال ان تتصالح وان تنفتح اكثر على امريكا وتتحول الى احد منصات تحالفها في الاقليم تعويضا عن خروج السعودية ودول الخليج.. وتضرب امثلة على التحولات الايرانية؛ تفاهمات الترسيم بين لبنان واسرائيل، واعادة ٧ مليارات دولار لإيران كانت مجمدة في كوريا الجنوبية بناتج صفقة اطلاق سجناء…
فهل هذا احتمال واقعي؟؟ ما الفوائد التي ستجنيها ايران ان تحولت وحولت اشرعتها الى الغرب؟؟
١-المنطقي ان لا مصلحة البته لإيران ان تعود الى الحضيرة الامريكية-الاطلسية وهي تعرف حق المعرفة ويعلن قادتها وولي الفقيه ان امريكا والاطلسي في طور الذبول والتراجع في الاقليم والعالم، وقد شاركت وتحملت اكلاف هائلة في الحاق الهزائم بأمريكا واشتبكت معها في شتى الميادين ومسارح وفروع الحروب، ومتثبته بان امريكا والاطلسي في حقبة الازمات الحادة والانحسار، ولم تقع ايران منذ الثورة في خطا تقدير استراتيجي. فلماذا ستقع فيه الان؟ ومن قال انها تعمل بقاعدة ؛ يطعمها الحاج والناس راجعة.
٢- قامت فلسفة الثورة والدولة على مشروعية السيادة والاستقلال وصناعة النموذج الخاص تحت شعار ؛ لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية.. وقاتلت وصمدت وبنت واصبحت الاقوى اقليميا وبين الاكثر تقدما في الفضاء والنووي وصناعة السلاح وفي العلوم والخبراء، ومازالت جذوة الثورة متقدة وقادتها احياء، وهي صاحبة الشعارات الداعية الى تحرير الاقليم من الولاءات للخارج وادارة الحوار والتفاهمات بين اممه ودوله وهي التي سعت الى الوحدة الاسلامية وحوار الاديان والمذاهب وركزت جهدها لتطبيع العلاقات مع امم ودول الاقليم، ولم تستفز او تعتدي على احد، وكلما وقع عليها عدوان كانت تسعى للحلول العقلانية والدبلوماسية والتفاعلية ولعبت دورا محوريا في افشال مخطط الفوضى والحرب المذهبية في الاقليم، وروسيا تحولت من خطر وعدو ودولة تروج الألحاد الى دولة صديقة وحليفه، وتخوض الحرب لتسريع انهيار العالم الانكلو-ساكسوني عدو ايران الاساسي. فما الدوافع وما المصالح لتقبل ان تعود دولة وظيفية في خدمة مشاريع الغرب المتداعية؟
٣-ان تفاوض وتنتزع حقوقها وان تطلق يد حلفائها ليفاوضوا وينتزعوا حقوقهم فهذه قاعدة ثابته ومن اركان السياسات الايرانية منذ انتصار الثورة ولم يسجل عليها انها ساومت او غدرت او تخلت عن حليف او عن مبدا وشعار او التزام ولا يعيبها ان تستعيد ٧ مليار دولار هي حقها ولا ان يوقع لبنان بإرادته وبإجماع اركان الدولة اتفاق الترسيم وقد اسندته ايران في سعيه وحمته المقاومة ولولا سلاحها وتقديماتها المجانية لما استطاع لبنان تحصيل ما تم تحصيله.
٤- بينما تتكاثر التوقعات بقرب انقلاب ايران وتفاهمها مع الاطلسي وتحويل اشرعتها، تتهم بانها تزود روسيا بطائراتها المسيرة وصواريخها وبانها تنخرط بالحرب الاوكرانية، والوقائع واعلانات روسيا وايران تتحدث عن توقيع عقود اقتصادية استراتيجية وبمبالغ هائلة زيادة على ما وقع سابقا. فكيف يتم تجاهل هذه الوقائع ويجري النفخ في اخرى لا دليل فيها لتحول ايران الى الضد من مبادئها والتزاماتها.
٥- والحديث متمادي عن احتمال انقلاب ايران، تجري مواجهة قاسية في بنيتها وتستهدف بثورة ملونة وبحملات تضليل ومساع للتخريب، وتفرض عليها المزيد من العقوبات الامريكية والاطلسية، واصابع امريكا واسرائيل واضحة وتتكشف شبكات العملاء يوميا. فمن اين تأتي التقديرات بان ايران ستنقلب وتعود الى الحضيرة الامريكي؟ ومن المستفيد من ضخها وترويجها؟.
٦- من السذاجة بل الهبل التفكير او الاقتناع بالمزاعم والاضاليل التي تمارس عبر الحملات المنظمة والمشغولة في الغرف المظلمة والتي تدأب على ترويج ان ايران ستنقلب وستغدر بحلفائها وانها تستجدي علاقات مع امريكا والاطلسي، وبأنها على خلاف مع سورية وروسيا، وبانها ستبيع رأس حزب الله والحوثيين لترضي امريكا المهزومة او لتنكي السعودية المتحولة عن العلاقات مع الغرب باتجاه اسيا والشرق.. وتروج هذه في وقت اصبحت فيه ايران قوة ودولة اقليمية وركنيه في المشروع الاوراسي وكاملة العضوية في شنغهاي وتعلن السعودية ومصر رغبتها في الانتساب للبريكس التي ستتعزز مكانتها العالمية بعد عودة لولا المرجحة لقيادة البرازيل.
وقد امنت ايران نفسها اقتصاديا وماليا وتستثمر في ازمات الغرب وتزداد تفاعلا مع الشرق والقوى الصاعدة وتشكل احد مرتكزات العالم الجديد ونظامه الوارث لعالم الهيمنة العدوانية الامريكية والانكلو- ساكسونية.
٧-وايران الذكية والامة العريقة والباحثة دوما عن موقع ودور ريادي تعرف وقد اختبرت الاعيب امريكيا والاطلسي وشاهدة على غدرهما وتخليهم عن الحلفاء، وتعرف بوعيها وبفطرتها ان امريكا تصافح ولا تسامح ، فلم تغفر لأبو عمار برغم توقيعه اتفاق اوسلو بل قتلته بالسم، ولا قبلت توبة صدام حسين ومعمر القذافي بل اعدمتهم شر ميته. فما الذي يدفع بإيران وقادتها الى التهلكة والى السفينة الغارقة بينما يفر منها العقلاء..
ايران ومحور المقاومة من اركان وصناع التحولات والتطورات الجارية والتي تجزم بتداعي وتأزم العالم القديم وبروز ارهاصات ومؤشرات ولادة الجديد.
فعلى العكس تماما والمنطقي ان يتحول المحور وايران الى قوة قائدة في المستقبل لإرساء قواعد وقوانين ناظمة للعلاقات بين الدول والامم والشعوب على قيم الشرق واسيا، وهذا هو مسار التاريخ وحقائقه فالمنتصر يكتب التاريخ ويقود في المستقبل…
امل المراهنين والمروجين لانقلاب ايران وتغير اشرعتها كأمل ابليس بالجنة.
عالم جديد يولد، فاين العرب وما هو مستقبلهم؟؟