كتب ميخائيل عوض | الانتخابات الرئاسية اللبنانية : ثلاث احتمالات ارجحها الاستعصاء فالانهيار..

فرنجية الفرصة الذهبية ولكن

ميخائيل عوض | كاتب وباحث

من الانباء السارة والمؤشرات التي قد تضيء شمعة في ليل الفراغات اللبنانية الكالحة، ما قاله الباحث قاسم قصير؛ من ان السيد نصرالله التقى كوادر الحزب والمقاومة وحثهم على التفكير بالمستقبل والاسترشاد بالماضي واعطاء الاهتمام الاكبر للأوضاع الداخلية لاستنباط رؤية ومشرع  واضاف قصير معلومات عن وثيقة تعدها البطريركية وتتحاور مع حزب الله لتشكل تفاهما وان حصل فالمنطقي بحسب تقديرنا قد يحل محل تفاهم مار مخايل الذي قتله الوزير جبران باسيل عن سبق تصميم وتصور وافقد عهد الجنرال عون فرصة ان يكون منصة التغير والعبور بلبنان من عهود الفراغات الى النهوض بتجديد وظائف الكيان المأزوم وتطوير النظام المفلس ليكون له قابلية الحياة.
وكلام قصير يكتسب مصداقية من قائله ومن تركيز خطب وكلام السيد حسن نصرالله في اطلالته على الاوضاع الداخلية التي باتت على ما يبدو تحتل اولويه عنده على الانخراط في الساحات الاقليمية. ويتعزز هذا الاتجاه بعد تفاهم الترسيم البحري وتراجع اهمية السلاح واحتمال نضوب وظائفه اذا ما حزم حزب الله امره وتلبنن على حساب اسلاميته وشعارات التأسيس وفي اهمها؛ يا انا قدس قادمون…
بين ارهاصات تحولات حزب الله واحتمالات تغير اشرعته ان تحققت وسيادة حالة الفراغات في النظام والدولة والمؤسسات، وتسارع الازمات المالية والاقتصادية مع بدء تطبيق الموازنة ورفع تعرفة الكهرباء والدولار الجمركي وتفلت الدولار بعد تبديد ونفاذ احتياطيات المصرف المركزي،  وفي واقع ان الكتلة الشيعية تتمظهر بانها ام واب النظام وقد ورثته مفلسا ومأزوم وتتعمق فراغاته وتتصاعد نذر انهياره، نقرأ في الواقع وتوازناته ومعطياته ثلاث احتمالات بسيناريوهات مختلفة؛
الاحتمال الاول؛ والارجح، استمرار الفراغات وبلوغ القاع والارتطام الانهياري وعلاماته المرجحة كثيرة لاتعد ولا تحصى، فالمجلس بفوضاه وبغياب الكتل الطائفية الكبيرة يفتقد لميكانزمات انتاج صفقات وتسويات تؤدي الى انتخاب رئيس وتشكيل حكومات لم الشمل المحاصصة .
الشارع في حالة قرف وكمون ولا وهم او رهان عنده على وعود اختبرها وعلى قوى صاعدة او مخارج بعد الانتفاضة الثورية وتبديدها ب١٣ نائب هواة ولا تغيرييرين او فاعلين.
والفراغ في السنية السياسية وعجز السفير السعودي عن املائه يعطل التوافق المعتاد على الرئاستين، وانهيار المارونية-المسيحية السياسة وبلوغ الصراع بين قطبيها التيار والقوات منزلة الموت اوالحياة مع فقدان الوجود المسيحي لوزنه العددي والنوعي وضعف تأثير البطريركية برغم ما اطلقته من مبادرات ومواقف اقصى اليمين لاحتواء الحالة وعجزها عن توحيد القوى والتأثير بالشارع واستنهاضه لتفويضها الامر، تفقد التسويات عامودها الثالث ولا امكانية موضوعية لتلبية حاجة وتحقيق شعارات الكتلة الشيعية الحاكمة بالتوافق والتحاصص عبر الحوار، ورفض دعوة رئيس المجلس للحوار خير دليل وقاطع.
لهذا يبدو احتمال وسيناريو استمرار الفراغات والعجز عن اجراء الانتخابات الرئاسية وتاليا تحقيق وعد معاونة وزير الخارجية الامريكية باربرا  بانفجار اجتماعي وتحلل وانفراط عقد المؤسسة العسكرية يكتسب مصداقية وله حظوظ اعلى من احتمال انجاز الانتخابات، وكلام البطريرك ودعوته لمؤتمر دولي يصب المياه في طاحونة احتمال الانهيار وليس تامين تفاهمات على اجراء الانتخابات.
الاحتمال الثاني؛  الاتفاق على ترئيس قائد الجيش برغم ان القوات اللبنانية حاولت حرقه بترشيحه، وبتبنيها خيار رئيس محارب ومن لونها ورفضها للتسويات، ويبدو انه احتمال منطقي فالقائد اثبت جدارة ووطنية وحرصا على المؤسسة وحماها وعبرها امن الانتخابات النيابية وامن الاستقرار السياسي والوطني، والعلاقة بينه وبين حزب الله ممتازة كما صرخ الباحث قاسم قصير، ولم يسجل على حزب الله موقفا ضده ولا وقعت احتكاكات او اشكاليات بين الجيش والحزب في عهده، الا ان حظوظه محكومة بتفاهمات ايرانية امريكية، وبرغم كثرة التسريبات والتحليلات التي سيقت عن قرب تحويل ايران اشرعتها الى الغرب وطلاقها مع اسيا والشرق ومغادرتها محور المقاومة وسوق ادلة على ذلك كالترسيم البحري في لبنان وانجاز العراق لاستحقاقاته بتمكين حلفاء ايران والقول ان التفاهمات تقتضي توليه امريكا وتفويضها في لبنان كتفاهم تهدئة وادارة مصالح وتقطعاتها الا ان المعطيات والوقائع تنفي قاطعة امكانية ان يقوم تفاهم امريكي ايراني لتسليم لبنان للإدارة الأمريكية ليكون قائد الجيش رمزها واداتها فلا الواقع اللبناني يحتمل ولا توازنات القوى الإقليمية وتبدلاتها وما هو جار عالميا بعد حرب اوكرانيا واشتداد اهمية والصراع على شرق المتوسط وصعود قوى ومحاور دولية واقليمية فاعلة ومعنية تجيز ان تتفرد ايران وامريكا في تقرير تسوية وادارة للبنان وبتجاهل عدائي لسورية ولروسيا ولمشروعات اوراسيا والطريق والحزام.
لهذا يبدو احتمال قائد الجيش والمرغوب شعبيا، وخاصة مسيحيا وغير المرفوض شيعيا وسنيا ومع كل هذا تبقى فرصه اضعف من الاول واقل رجحان.
الاحتمال الثالث؛ فرنجية رئيسا ولتخرب البصرة…
ما سرب عن طلب رئيس الحكومة للنواب السنة ال١١ بالتصويت لفرنجية عند نضج الظروف والاشارة اليهم منه، وما سرب عن ان رئيس المجلس النيابي ابلغ نواب كتلته بترئيس فرنجية بعد خلو القصر وانتاج الظروف المناسبة، وذات التوجه عبر عنه رئيس المجلس في خطبه وفي اطلالاته واطلالات نواب وقادة حركة امل، وقد افصح السيد حسن نصرالله في اطلالته بمناسبة يوم الشهيد بوضوح ما بعده وضوح ان مرشح الحزب هو فرنجية وساق مواصفاته كمواصفات للرئيس المطلوب والممكن. وذات المغزى كشفت عنه زيارة الوزير جنبلاط واجتماعه المطول مع الرئيس بري وما صرح به.
وحده الوزير باسيل من تحالفات حزب الله رفع سقف التحدي والممانعة وجعل معركته مع فرنجية معركة مصير ومستقبل.
الموقف التصعيدي جاء بعد فشل لقائه مع السيد نصرالله ورفض فرنجية عرض الاتفاق على مرشح ثالث، وعدم تلبية سورية لرغبة باسيل زيارتها، وعدم تحقيق زياراته لقطر ما هدف اليه وسعى.
ويزيد في حظوظ فرنجية لقاء الاونيسكو للتذكير باتفاق الطائف وحماته ورعاته الذي نظمته ودعت اليه السفارة السعودية وحفاوته بحضور فرنجية، ما يعطي مؤشرات على ان الكتلة السنية في البرلمان ستصوت لفرنجية وعند احتساب الاصوات يمكن لفرنجية ان يبلغ ال٦٥ صوتا في الدورة الثانية وربما اكثر وقد بدأت ظواهر التشققات في مواقف نواب كتلة التيار الحر تتصاعد في تفرد نائب رئيس المجلس النيابي في الجلسة الاخيرة للبرلمان وايضا في الضغوط التي تسعى لإلزام التيار اما بترشيح شخصية وخوض الانتخابات لأجله او الانحياز لمرشح والخروج على الورقة البيضاء التي اصبحت اقرب الى النكتة.
فرص فرنجية او ليكن الفراغ كبيرة وراجحة، برغم تصريح باسيل بان التعطيل حتى تامين الرئاسة لعون لا تنطبق حالته على فرنجية وهو بكل حال قول جائر واستفزازي لحزب الله وللكتلة الشيعية قبل ان يكون افتعال ازمع مع فرنجية.
وبافتقاد الدكتور جعجع للفرصة ولغياب امكانية انتخاب مشيل معوض ولاستحالة انتخاب مرشح للتيار الوطني الحر ولمأزق انتخاب قائد الجيش تصبح فرصة فرنجية كبيرة والتوازنات المادية تميل لصالحه والظروف تستوجب رئاسته.
الا ان وصوله للرئاسة يتطلب نصاب الثلثين غير المستبعد تأمينه بذريعة ان لكل كتلة مرشح وتتعزز اذا رشح باسيل اسما فيتحقق النصاب وبتحققه تتوفر فرصة فرنجية القادر على تحصيل ال٦٥، وبكل الاحوال هو الاقدر على تحقيق اعلى الارقام.
الا ان وصول فرنجية للرئاسة ولو تم عبر اللعبة الدستورية وبإخراج متقن لمهندس اللحظات الصعبة في لبنان رئيس مجلس النواب، سيعتبر عند باسيل وتياره وعند القوات والكتائب والاخرين بمثابة معركة كاسرة قد لا تغطيها البطريركية وان رغبت فلن تنجح ولن تجمع حولها عناصر قوة ووزن في الكتلة المسيحية، عدا عن ان فرنجيه سيعتبر خطوة كاسرة للنفوذ الامريكي في الدولة والمنظومة، ما قد يدفع الى تمردات وتحركات رافضة ودعوات للانعزال والمقاطعة وتشكيل جبهات وقوى وتحركات مواجهة.
السؤال القاطع جوابه في الحسم بين اي من الاحتمالات الثلاثة الاوفر حظا هو؛ هل قرر حزب الله في طور تحوله الى اللبننه خوض معركة تطهير وتحرير الدولة ومؤسساتها من النفوذ الامريكي مهما كان الثمن.
اذا جاء الجواب بالإيجاب فلبنان على عتبة اجراء الانتخابات الرئاسية وفرنجية رئيسا ومعركة مع النفوذ الامريكي في الدولة والبنية الاقتصادية قد ازفت وامكانيات الاحاطة بالأزمة وعلاجها باتت ممكنه وتتوفر عناصرها وشروطها  ومهمة تطوير النظام وصيغته بتعديل توازنات المنظومة والطبقة ومغادرة طريقة تشكيل الحكومات بالتوافقية والصفقات وهذا يؤسس للشروع بابتداع دور ووظائف للكيان تتفاعل مع حقبة اعادة صياغة وتشكل المشرق والعرب والاقليم في سياق اعادة هيكلة التوازنات العالمية، وتوفير وظائف للكيان تواكب ما حققته المقاومة في الانتصارات الثلاثة وفي ثلاثة الى تحريرات وبذلك تصير  كلمة لبنان وثلاثيته الذهبية هي العليا في الصراع مع اسرائيل وادواتها وحلفائها في لبنان والعرب والاقليم كما ستكون بمثابة تأكيد لما نقله الرئيس الفرنسي ماكرون لزواره عن لسان الامير محمد بن سلمان واشارة الى تحولات نوعية في السعودية وتتأكد انها بانعطافه  للتصالح مع سورية وادارة مصالحها في لبنان عبرها  تمهيدا للتفاهم على إدارة المشرق العربي وتنظيم العلاقة التفاعلية والإيجابية مع ايران.
اما اذا كان جواب حزب الله بلا ولاذ بالقول؛ ان الظروف لم تنضج بعد ولبنان لا يحتمل الاشتباك مع النفوذ الامريكي في الدولة والاقتصاد فهذا يعني ان خيار توسيع دائرة الفراغات والانهيار سيكون الارجح… ويصير الاستعصاء هو سيد الحالة،  ولا حل للاستعصاء الا بالكسر.

Exit mobile version