مفيد سرحال | مدير تحرير موقع المراقب
في خضمِّ معمعةِ الانتخابات الرئاسية وقعقعةِ المواقف عالية النبرة والسقف في آن وإزاء الكباش السياسي المحتدم بين الأفرقاء اللبنانيين وسقوط شعار السيادة تحت نعال وفود ووسطاء عرب وعجم لسحب الاستحقاق الرئاسي من عنق زجاجة المصالح المتشابكة والأهواء المتصارعة وغياب منطق التفهم والتفاهم بين اللبنانيين الذي أبدع في صياغته أحد رجالات البلاد الرئيس الراحل صائب بك سلام، ناهيك عن التباين الجذري نظرة وموقفا داخل الطائفة المارونية حيال مواصفات الرئيس العتيد وبرنامج عمله والمهام التي ستوكل اليه.
والحال، فإنَّ سؤالاً بدأ يتسلل للأذهان بقدر وجاهته يثير الريبة والاستهجان حول ما إذا كان الموارنة حقيقة بكل أطيافهم ومشاربهم السياسية لديهم الرغبة أو يشكل هاجسا لديهم انتخاب رئيس للجمهورية، أم إنَّ المسألة مجرد تقطيع وقت ليس إلا ريثما تنضج الظروف الملائمة لخيارات أخرى؟ وهل موقع الرئاسة بعد نزع أظافر الرئيس في اتفاق الطائف لا زال محط اهتمام وعناية الأفرقاء المسيحيين بعد تجربة الرئيس القوي..؟ وهل إغراق لبنان بهذا الكم من النازحين وترجمة خطة وزير الخارجية الأميركي بومبيو المتعلقة بتوطين الإخوة الفلسطينيين ودمج الإخوة النازحين السوريين يشكل الحافز الأكبر لانعتاق المسيحيين من الصيغة القائمة والانزواء أو بالأحرى الانكماش والتكور حول الذات المسيحية في مجال جغرافي وحيز مكاني يعفيهم من رئاسة وحكم شكلي أجوف ملؤه صلاحيات منقوصة وشتى منغصات الدور والمكانة؟
أغلب الظن أن مجاهرة فريق كبير من المسيحيين بالعزف المنفرد وفرط عقد الشراكة الوطنية يوحي بأن فكرة الكانتون صارت موضة قابلة للترويج والتسويق من خلال صيغ مختلفة كالفدرلة والكنتنة وتلطيف الطرح وتجميله باللامركزية الإدارية والمالية الموسعة يستند للمسوغات والأسباب التالية: أولا:التاريخ يفيدنا بأنه كلما اختلت موازين القوى الداخلية وقع صدام بين المكونات ، فالقوي يسعى لتحصين مكتسباته والخاسر يعمل على تحسين شروطه كي يتساوى مجددا مع الآخر.
غير أنَّ الأمور مختلفة راهنا فالمكون المسيحي يرى بغالبيته أن الرئاسة التي لا تستطيع أن تحكم صارت لزوم ما لا يلزم وعبئًا لا طائل منه لاسيما مع فكرة دمج النازحين السوريين وتوطين الفلسطينيين والخلل الديمغرافي الذي سيتحول إلى معضلة وجودية كبرى.
وفي استحضار للتاريخ واقعتان معبرتان محفزتان يرددهما بعض الساسة المخضرمون حصلتا في السبعينيات من القرن الماضي حيث إن قياديًّا كبيرًا في الجبهة اللبنانية ومع اتساع سطوة ونفوذ منظمة التحرير الفلسطينية وانتشار سلاحها قال لاأي عمار صراحة: لكم الغربية ولنا الشرقية…والمعنى واضح كما الهدف أي فليعش كل طرف في المناخ الذي يلائمه.
وفي لقاء بين بشير الجميل واللواء محمد الخولي في القصر الجمهوري عندما سأله الخولي ما هي مطالبكم ردَّ الجميل( منطقة حرة من جزين إلى بشري).
هذان الشاهدان كان الدافع المركزي لطرحهما الخلل الديمغرافي آنذاك وحضور منظمة التحرير الطاغي على المشهد المنغمس في اليوميات اللبنانية والذي يوازيه بأضعاف مضاعفة راهنا واقع الحال.
بناء عليه تقول تلك الأوساط إنَّ رحلة البحث عن رئيس ليست إلا همروجة صخب فارغ و ضجيج دون طحين والاطروحات المسيحية الرافضة للحوار المسبق عقدة مصطنعة للتأزيم السابق على الترسيم أي ترسيم حدود مناطق النفوذ والصيغ المقترحة التي لا تتسق بأي حال مع المشهد السياسي وتركيبة الحكم القائمة..
بناء عليه فإننا أمام ستاتيكو (لا رئيس) إلى أجل طويل مع ما يحمله من نذر خضات ومشاريع وأحداث تشكل إرهاصات إعادة التشكيل للكيان المصاب بأعطاب الفراغ وانهيار المؤسسات وشلل الاقتصاد والفقر والهجرة وليس عبثا استحضار عبارة الخطر الوجودي والتي باتت افتتاحية حديث غالبية المسؤولين يلهجون بها كلازمة سنعتاد نغمتها المزعجة.