مفيد سرحال | كاتب وباحث في الشؤون السياسية – مدير تحرير موقع المراقب
مستفزة تلك اللافتات المشرئبة عند مداخل بعض القرى والبلدات اللبنانية الموشومة بوشم الوكالة الاميركية للتنمية، كأنها أحياء في ولايات، ما يشعل في البواطن غضبا” وسخطا” مشفوعا بالاستهجان جراء هذه الازدواجية الوقحة، حين يندلق النفاق من عُكار عوكر عاطفة تضج انسانية تنموية، فيما حصار السفارة غاشم ظالم اوصل البلد الى أسوأ معاناة بات المواطن فيها على قارعة الذل والمهانة.
والحال ان الشواهد كثيرة غنية بالوقائع ومن قلبه على الناس والقرى والدساكر والمدن التي اهملتها الدولة اللبنانية المثقوبة حتى الجفاف، للاسف الشديد كيف يمنع استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر، ويعطل دورة الحياة الاقتصادية وحركة جلها قائم على الطاقة، وكيف يحاكي بالزجر والاهانة وعصا العقوبات المسؤولين اللبنانيين للحيلولة دون قبول العروض التنموية الحيوية كمشاريع الكهرباء والفيول الايراني، وشبكة سكك الحديد الصينية، وترميم المرافئ من خلال روسيا الاتحادية، واقفال الباب بالاسلوب الفوقي الاستعلائي البغيض مع الشقيقة سوريا، وصولا الى اساليب اكثر ضراوة وأشد قسوة ولؤما يجري الاعداد لها وتقضي بمنع تحويلات المغتربين لذويهم، ناهيك عن لعبة الدولار والامعان في افقار الموظفين والمتعاقدين والمياومين في المؤسسات العامة والخاصة من خلال زئبقية مدروسة وهندسات مدسوسة.
ان هذه الحمية التنموية تجاه القرى والبلدات عبر مشاريع زراعية وشبكات الصرف الصحي والطاقة الشمسية لآبار الري ودعم الصناعات على انواعها يمكن وصفه بالمفرزة السباقة لما هو اهم، والطعم اللذيذ جرى التفنن باطعامه للرأي العام لملاقاة استحقاق البلديات في أيار.
حيث لفتت مصادر مطلعة على هذا الملف ان الاوروبيين والاميركيين سيمارسون اقصى حد من الضغوط لاجراء الانتخابات البلدية والاختيارية لثلاثة اسباب جوهرية لا يقل واحدهما اهمية عن الآخر.
السبب الاول: الايحاء لا بل كي الوعي من ان سلوك طريق السفارة الاميركية في عوكر سلس لا تعتوره المخاطر ويقود الى الرخاء والبحبوحة والأمان الاجتماعي والازدهار، بينما وعورة طريق طهران المحفوفة بالمزالق والمطبات سيأخذ سالكيه الى الفقر والجوع والمرض وهذا ما دأبت ابواق وجوقات من المهرجين والمرتزقة الترويج له، الى حد الصاق كل مآسي اللبنانيين بمحور المقاومة للتعمية عن مسالب وموبقات وسياسات طحنت البلد ونهبت خيراته وأجهضت مؤسساته وضيعت ودائع ابنائه بالفساد والتحاصص واللصوصية والنهب المنظم المسمى هدرا”.
السبب الثاني: ملاقاة الاستحقاق البلدي والنفاذ الى قلب المجالس ماديا ومعنويا تمهيدا في مرحلة لاحقة للتواصل المباشر مع المجالس البلدية من فوق الدولة ومن تحت اجهزتها، وتوفير الخدمات والمشاريع التنموية والامساك بناصية المجالس المحلية التي تشكل عصب الحياة في القرى، ويغدو التواصل افقيا مع ما يحمله من مخاطر على المستوى الأمني.
السبب الثالث: هناك تقارير ودراسات وتقديرات تبرع بها رواد السفارات تلتقي في مضمونها مع احلام تلك السفارات وسياساتها ورغباتها من ان الانتخابات البلدية ستستثير العصبيات العائلية وتحدث تصدعات حزبية وجُبِّية في بيئة المقاومة ما سيؤثر بقوة النتائج على المقاومة من خلال اصابة جمهورها بداء النزاعات وملهاة الصراع على مواقع النفوذ المحلية لا بل تبالغ تلك التقارير لدرجة القول بفرصة تفجير البيئة الحاضنة للمقاومة بالمنازعات والخلافات.
لا شك ان ما تقدم يشكل اضاءة كاشفة على ما يرشح من اوهام وتخيلات عن عقول دأبت تراهن وتقامر وتغامر وتتبنى افكارا ورؤى ثبت انها أضغاث أحلام وسراب في صحراء .
اما لأهلنا المأخوذين بأعطيات الوكالة الاميركية للتنمية وغيرها من المؤسسات الدولية المستنبتة كالفطر في بلدنا نقول: طالما ان خدماتهم مجبولة بباطنية ومضمر يناقض المعلن وأقنعة ملونة ملوثة وأياد سوداء مطلية بكلس الرياء ..الأجدى والأفعل في هكذا حال التمسك بالشعار الدائم الوعي ثم الوعي وخذوا ما في جيوبهم ودعوا ما في عقولهم.
وخير الكلام في هذا المقام قول امير البلاغة والكلام الامام علي (ع): “الوفاء لاهل الغدر غدر عند الله والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله.”