مفيد سرحال | كاتب وباحث في الشؤون السياسية
باريس مربط خيلنا… الزغرتاوي سليمان فرنجية صال وجال في المرمح الفرنسي متأبطًا الهم الرئاسي على صهوة إرث سياسي وتجربة تاريخية تراكمية مثقلة بالأحداث الجسام والالتزامات والمهام الوطنية، طارحًا خياراته بتعفف النبلاء، آخذًا بعين الاعتبار الصداع المسيحي المزمن والصراع المسيحي – المسيحي وتصدعات البيت اللبناني المسكون بمنازل شتى.
جلسة الوزير فرنجية مع الفرنسيين شهدت كمًا كبيرًا من الأسئلة والاستفسارات والأجوبة وسبر الأغوار واستجلاء الغوامض ونقاش جدي عميق حول آليات إدارة دفة الحكم والعلاقة بين المكونات وتحقيق التوازن الوطني، وكعادته وفق ما رشح عن الجلسة التي طالت لساعات فنَّد فرنجية بصراحته المعهودة أسباب وخلفيات استعصاء وانسداد المسألة اللبنانية وسبل معالجتها، سواء في الاقتصاد والسياسة أو الأمن وصراعات الإقليم وموقعية لبنان المركزية في هذا الخضم لا سيما الأطماع الصهيونية.
جلسة المكاشفة والمصارحة بين فرنجية والفرنسيين قطعت شوطًا كبيرًا من التفهم والتفاهم، وهذا ما يفسر استنفار أطراف محلية وإطلاق مواقف صاخبة من الزمن الغابر عالية السقف رافضة لترشيح فرنجية من زاوية نظر أنه مرشح حزب الله، في مسعى ذهني لتكريسها كمغالطة يجري تكثيفها و تعميمها لدى الرأي العام المحلي والقوى الدولية، والأصح أنّ حزب الله مؤيد لترشيح فرنجية مثله كمثلِ قوى وأحزاب أخرى.
في وقت تكونت نظرة واقعية لدى الفرنسيين أنّ فرنجية الوحيد القادر على تحقيق ما لا يمكن لغيره تحقيقه لجهة أهليته الندية في محاكاة حزب الله والسوريين والالتزام باتفاق الطائف متكئًا على كتلة نيابية صلبة متراصة، تشكل نيابيًا أكثرية بصرف النظر عن الأكثرية الدستورية التي تؤهله الوصول الى بعبدا، كما وأنّ الفرنسيين باتوا يدركون تمام الإدراك أنّ تأييد الثنائي الوطني وتحديدًا حزب الله لفرنجية ليس تأييدًا تكتيًا، بل خيار استراتيجي جدي لا عدول عنه من الخطة (ألف) الى (ياء). ويعلم الفرنسيون أيضًا انه لم ينوجد البديل في مساحة مشتركة أو خلافها يستطيع أن يقنع حزب الله والمناخ السياسي المحلي والاقليمي الذي يتواءم مع خياراته.
الاستفسارات الفرنسية تستبطن في غالبيتها أسئلة سعودية حيال قضايا حساسة كتطبيق الطائف وعدم إدخال اجتهادات او تأويلات على نصوصه، أو أعراف تناقض فلسفته التي قام عليها بما يضمن مكانة رئيس الحكومة وكرامة المكون الذي يمثله بمعنى رئيس حكومة يحكم وفق أحكام الدستور، وغير خاضع للابتزاز وتذويب الدور او تحجيم المهام.
فرنجية على أثر التواصل المباشر مع الفرنسيين صار عند تقاطع الحازمية باتجاه قصر بعبدا قاطعًا الطريق على الخيارات الأخرى الاقتصادية والعسكرية، والمرحلة القادمة هي مرحلة تلقف التسويات إاسقاطها على المشهد اللبناني، اذ ليس منطقيًا على الإطلاق أن يطال الفيتو سليمان فرنجية بحجة أنه يمثل محورًا في المنطقة، في وقت ذهبت السعودية الى ربط النزاع مع عمودي هذا المحور اي ايران وقريبًا سوريا.
الساحة اللبنانية وقتذاك، وعلى وقع ارتدادات التفاهمات الإقليمية، ستشهد قريبًا جدًا تشكيلات جذرية في صفوف بعض السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي يتسق مع نضوج طبخة التسوية وملاقاتها.
التسوية صارت جاهزة والخروج عنها مجازفة وخسارة وعزلة طوعية تتبدد مفاعيلها مع الوقت ؟؟؟
لبناننا هذا كان ظل الخارج، وسيبقى كذلك، حتى قيام الساعة. فيما الاستقلال والسيادة أهازيج تراثية نرددها في المناسبات .