مفيد سرحال | كاتب وباحث في الشؤون السياسية | مدير تحرير موقع المراقب
في منتصف كانون الثاني من عام 1979 انزاح عن صدر ايران حكم الشاه الذي خرج الى منفاه يجر اذيال الخيبة بعد ان رهن موارد الشعب الايراني ردحًا من الزمن للمصالح الاميركية والصهيونية، ودخلت ايران مرحلة جديدة من تاريخها تحت لواء الثورة الإسلامية التي حددت اهدافها في تغيير القاموس السياسي الايراني، وأوّل الخطوات في هذا الاتجاه طرد موظفي السفارة الاسرائيلية وتقديمها للشعب العربي ومناضليه باسم سفارة فلسطين.
ووضعت الثورة إمكاناتها في تصرف كل مواجهة مع العدو الصهيوني الذي اعتبرته عدوها بكونه ينتهك الحرمات الإسلامية في فلسطين، ويسعى الى التهام المنطقة واستلاب خيراتها والتحكم بمصير شعبها، وصولً الى الغاء الهوية العربية والإسلامية للشرق بالعمل على تفريق الشعوب الإسلامية، وبث الحروب بين دولها وتأمين تغطية للرأي العام العالمي الذي يتجه الى اعتبار الدول الإسلامية والعربية دولًا نامية عاجزة عن قيادة شعوبها، وليست جديرة بما تملكه من طاقات.
وساهمت الجمهورية الاسلامية بالجهد المقاوم في لبنان وفلسطين والعراق لردع الغطرسة الصهيونية والأميركية وتصليب المحور المقاوم على طريق استعادة الحقوق السليبة في الأرض والمقدسات.
لقد بذلت القوى الاستعمارية والصهيونية والغرب الجماعي أقصى الجهود تحت وطأة الظروف المعقدة التي أحاطت بالعلاقات العربية الايرانية (بعد حرب الخليج الاولى والاحتلال الأميركي للعراق وحرب اليمن واعتمالات ما سمي بالربيع العربي في سوريا والصراع العربي الصهيوني بتجلياته القومية والاسلامية ودور ايران المركزي في مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي عبر تمكين قوى المقاومة وتعزيز قدراتها ماديًا ومعنويًا لا سيما في لبنان وفلسطين)، في تخريب التعاون الايراني العربي وزرعت عوامل الفرقة والبغضاء وخلقت مقولة “الخطر الايراني المزعوم”، ولا زالت تبذل ما في وسعها لمنع أي تقارب جدي بين العرب وايران، والهدف واضح تمامًا، فتوتير الأجواء في الخليج العربي بين الطرفين يساعد هذه القوى على الاحتفاظ بمواقعها هناك، تحت ذريعة الدفاع عن المنطقة ضد الخطر الايراني لصرف الأنظار عن الخطر الصهيوني الذي يحيط بالعرب والمسلمين ويهدد وجودهم ومستقبلهم، والإمعان في ابتزاز دول الخليج العربي تحت ذرائع واهية.
في هذا السياق يسجل للرئيس الراحل حافظ الأسد اعتباره الثورة الايرانية منذ أيامها الاولى حليفًا للعرب، كذلك وعلى النهج ذاته سار الرئيس بشار الأسد، حيث أثبتت ايران انها النصير والسند للعرب في معركة المصير القومي ضد العدو الصهيوني وأطماعه.
بناء على ما تقدم جاء التقارب الإيراني السعودي بوساطة صينية وجهود عمانية وعراقية ليعيد تدوير السفينة الى السمت الصحيح الذي يلبي طموحات الشعبين العربي والايراني وما بينهما من اواصر الدين والتاريخ والجوار.
إنّ عودة العلاقات بين السعودية وايران شكّلت صفعة للاميركي ارتسمت ذهولًا على وجه المؤسسة الصهيونية نظرًا لما سيحمله هذا الجو الانفتاحي من عوامل الارتقاء نحو آفاق جديدة تنتقل معها المنطقة برمتها من حالة الاشتباك الى حالة التشبيك، وما يستتبع ذلك من استقرار امني ونهوض اقتصادي ورفاه اجتماعي بعد سنين عجاف من الاقتتال والتنازع الحدي المحمول على صفيح من الدموم والدموع والآلام واستنزاف الطاقات والعداوات سواء في اليمن او في سوريا ولبنان.
لا شك ان الموقف السعودي يقاس بالميزان السياسي والاستراتيجي تحديًا جديًا للقرار الاميركي يضاف الى التقاطعات السعودية مع الصين وروسيا ورفض الاملاءات الاميركية بزيادة انتاج الطاقة، ما يشي بخروج سعودي تدريجي من دائرة النفوذ الاميركي الضاغط والثقيل والمباشر، الى خيارات متعددة كلاعب مفصلي في المنطقة وسط تطاحن الروس والاميركيين على زعامة العالم وبينهما اوروبا المتهالكة في الوحل الاوكراني وبداية افول نجم الأحادية الاميركية.
ان لم شعث المنطقة العربية والاسلامية من خلال التقارب السعودي الايراني ستقود مخرجاته الى جملة اهداف استراتيجية ابرزها:
أولًا:
وأد الفتنة المذهبية التي أشعلت أوارها دوائر الغرب بالتوازي مع حركة دؤوبة للعقل الصهيوني في ابتكار اساليب توسيع شقة الخلاف لتشليع المنطقة العربية ونقلها الى حالة من التذرر الطائفي والمذهبي والتآكل الذاتي المدمر، وهذا من شأنه إعادة صرف الجهد العربي باتجاه الصهيونية ومراميها ومخططاتها بما يخدم الخيار القومي التحرري .
ثانيًا: إطفاء البؤر الملتهبة العاكسة في كثير من الاحيان صراعات نفوذ بين ايران والعرب والسعودية على وجه الخصوص، لا سيما الجرح النازف في اليمن والمستنزف لطاقات دول الجوار المنغمسة في هذا الصراع .
ثالثًا: لقد بات التقارب السعودي السوري قاب قوسين او ا
أدنى من التحقق والعودة الى سابق عهده من التنسيق والتعاون والتفاهم حيال قضايا المنطقة العربية، بحيث سيلعب الرئيس بشار الاسد دورًا رياديًا طليعيًا في ازالة بذور الخلاف والفرقة بين العرب وايران، وستكون سوريا اللاعب الأساس كعروة وصل بين ايران والسعودية وضمنًا دول الخليج، وذلك من موقع دمشق المنتصرة على المؤامرة، وكمركز للقرار القومي يعيد بعث فكرة الأمن القومي العربي؛ كما أنّ ايران كدولة إسلامية ذات نفوذ كبير في الإقليم تراعي مصالح العرب وتؤخذ مصالحها الحيوية بعين الاعتبار، ما يخلق توازنًا تتهاوى معه المنازعات والصراعات وعوامل القلق والخوف بين الطرفين.
بما يخص لبنان فأن مزيدًا من الضغوط الأميركية والاستفزازات الإسرائيلية لن تحقق مبتغاها ستمارس في المرحلة المقبلة لقطع الطريق على ملاقاة التطور السعودي الإيراني المفاجئ ومعه السوري السعودي الحتمي والقريب جدًا، ما سينعكس حلحلة في مسألة انتظام المؤسسات الدستورية، عبر انتخاب رئيس للجمهورية في غضون ثلاثة اشهر، وعودة العرب الى لبنان من بوابة الاقتصاد والاستثمارات، لتجد الولايات المتحدة نفسها امام واقع جديد يصعب تجاوزه. أمّا مسألة قوة لبنان فستبقى بمقاومته المستعدة للدفاع عنه في مواجهة اي عدوان صهيوني الى جانب الجيش والشعب .
ويبدو ان العرب باتوا على يقين ان تفتيت لبنان ومعه سوريا من خلال الفوضى الخلاقة المزعومة، او تفكيكه على حد تعبير بربرا ليف واعادة تركيبه، سيكون الفيروس الذي سيضرب المنطقة العربية برمتها وسيضع المصالح الاميركية ووجود اسرائيل على فالق زلزال كبير .