مفيد سرحال | كاتب وباحث لبناني
من نافلة القول ان سلطة بغير زمام تغدو تسلطا واستباحة متغطرسة للقوانين وعبثا ممنهجا بالدستور وفسادا مستشريا كالفطر المسموم وتآكلا متدرجا للمؤسسات ناهيك عن الاهتزازات الخطيرة بارتداداتها والمكلفة في شتى مناحي الحياة لاسيما تصدع الاستقرار الامني والسياسي وتدحرج الاقتصاد الوطني الى مهاوي التعثر بموازاة تبعات مؤلمة تطال المواطن في قوت يومه وكرامة عيشه.
لبنان راهنا صورة مصدَّقة وطبق الأصل عما تقدم حيث يعيش أقسى وأشرس أزمة شهدها في تاريخه صنفت عالميا لمضارعتها ومحاكاتها ازمات مماثلة في الطبيعة والتكوين والمآلات شهدتها كبريات الدول.
لقد قيل الكثير عن الاسباب واستطرد المحللون والبحاثة والفهامة اهل الرأي وغرق من غرق في متاهات المبالغة ومجاهيل الانحراف وتحميل الأنفس ما تهوى من ميول ومواقف ورغبات ومشاعر لدرجة ان فطاحل السياسة والسيادة والقرار الحر !! يمضغون علكة ((الاحتلال الايراني)) كنتيجة ويتعامون عن المسببات الحقيقية والموبقات والارتكابات المقترفة منذ عقود ولو كان السباب متاحا في هذا المقام لكنا زحلنا بلساننا العطر نحو قصيدة زحلاوية من العيار الثقيل… .
فالثابت البديهي ان ازمة نظام يعيشها لبنان مذ كان الكيان ،نظام محكم التشبيك التحالفي بين الرأسمالية اللبنانية والزعامات سليلة الاقطاع ورجال الدين، ما يحول دون تغيير جوهري بالانشداد الى مستقبل قائم على المدنية والحداثة والمواطنة.
وعليه لن يتوحد الشعب اللبناني في قضايا اجتماعية مطلبية تقود الى حراك حقيقي سياسي ثقافي عريض يبدل المشهد الذي استقر الامر حياله على هبَّات وفورات لم ترتقي الى مصاف ثورة جدية تعكس توقا “شعبيا عارما نحو تكريس قيم العدالة والمساواة في المواطنية .
اما انتظار النظام القائم لتغيير ذاته بذاته غير معقول البتة اذ ليس واردا في اجندته التحرك ضد مصالحه.
بناء على ما تقدم تطل الانتخابات النيابية برأسها من بين حطام الدولة وركام المؤسسات المشلعة المنقسمة على ذاتها المتباعدة في الموقف والرؤيا بما يوحي اننا ازاء تناقضات حكم متشعب الرؤوس وازدواجيات نافرة عرجاء في الادارة والوزارات السيادية والحيادية يقودها عُكار الامزجة ووشوشات عوكرية توجه دفة الافكار والمواقف في شرود مذهل عن منطق المؤسسات والمصلحة الوطنية العليا وسبل اتخاذ القرارات والبحث المنطقي عن حلول ابرزها التخلص من الهيمنة الاميركية وحصارها الجائر القاتل المستحب لدى البعض وعدم الانجرار خلف الضغوط والاملاءات الكثيفة والوقحة في هذا الصدد والبحث عن خيارات وملاذات آمنة في الشرق وغيره للنفاذ الى الحد الادنى من الامان.
كل ذلك يتسق مع انهيار اقتصادي مريع يبشر بفوضى زاحفة ناجمة عن الجوع والعوز والتفلت الامني والخروج عن السيطرة فيما يسمى دولة القانون ، حاصل ونتاج سياسات خرقاء جفَّفت خزينة الدولة وجيوب المواطنين واستباحت اتعاب المودعين وقوَّضت قيمة الليرة وجوعت الناس وهتكت حرمات وبركة المنازل وبدَّدت ما تبقى من عزة نفس الناس البسطاء بالذل والمهانة جراء الحرمان وفقدان الدواء وغلاء الغذاء، وهجَّرت الكفاءات في اخطر عملية طرد منظمة لاصحاب الاختصاص .
والآن يقال للناس تعالوا الى الصناديق في ملهاة فاجرة ماكرة سيما وان الانتخابات لن تغير في الواقع القائم شيئا سوى انها استنساخ متهالك لصيغة لا فكاك من براثنها الا بالاستئصال وتجريفها من الجذور وهذا للأسف الشديد غير متاح طالما ان الكينونات الطائفية مهجوسة بالمصالح والحصص والخصوصيات والتخويف من الآخر والهيمنة والتسلط باسم حقوق الكل وطالما الطائفة جسر عبور المواطن الى الدولة والدولة كونفدرالية طوائف.
ازاء ذلك ما شأن الانسان العادي بالانتخابات واين هي مصلحته ولاي ضرورة وطنية طارئة يجري الاستعداد لها.. اليس حريا باهل السلطة اعلان حال طوارئ اقتصادية انقاذية وتنكب مهام المعالجة السريعة طالما انها والمواطن (النعجة دوللي) بفارق ان الاخير يتم سلخه وتقطيعه والتجزير بكرامته وحقوقه وعيشه…
.بالمقابل الناس حقيقة تبدو منكفئة متكورة على جوعها وهمومها غير مبالية او مكترثة واولوياتها واهتماماتها مختلفة وفي حل من اي التزام تجاه هذا الطرف او ذاك بغالبها الأعم على غير عادة ولم تظهر الحماسة المطلوبة المعهودة في هكذا استحقاق على بعد رمي ورقة من (صندوق الفرجة) .
..فالجوع..والعوز..والمرض..وفقدان الاساسيات …المحروقات الفواتير وووو..اهم الاستحقاقات بالنسبة للمواطن العادي الذي سئم الشعارات والخطب والتحريض الغرائزي ولا احد بامكانه اغفال الشعور الراسخ لدى كل القوى السياسية ان الجيل بين 21 سنة و35 سنة هو حتما باعتراف الجميع خارج الضبط والتأطير ما يهدد مرتكزات قوى ظنت انها تأبدت في سلطانها وسطوتها.
ولاول مرة يلتقي اهل السلطة والناس على كلمة سواء !! فزع وجزع سلطوي مسنود لضعف المناعة الجماهيرية والاسترخاء وانعدام الحماسة رغم جرعات التحفيز والاستنهاض ، وجمهور منهك بأثقال الحاجة لابسط مقومات الحياة الكريمة وابلغ ما قيل جاء على لسان مواطن محروق : ((المحروقات ستحرق الانتخابات)) وتعليله: الشتاء طويل وسحبه القاتمة متجددة وفاتورة نقل المقترع غير مضمونة و عالية التسعيرة و التكلفة والصوت غالي الثمن!! فهل انتم على استعداد؟؟؟
ونزيدكم من الشعر بيتا”ان الامريكان وملحقاتهم من الاوروبيين المعنيين بالساحة اللبنانية أجروا مسوحات وسبر امني استقصائي للبنى المجتمعية وموازين القوى لتأتي النتائج على غير ما يطمحون من تغيير واستحواذ للأكثرية فباتوا غير مستعدين لمغامرة اشبه بالمقامرة كما ان أهل عيتا الشعب لازالوا أهل عيتا الشعب واهل عيترون كذلك والذي تغير فقط الطقس…