مفيد سرحال | مدير تحرير موقع المراقب
من نافل القول أن عملية طوفان الأقصى الفرط استراتيجية فتحت آفاق القضية الفلسطينية على “الأفول الإسرائيلي” وشكلت منعطفا مفصليًّا في ليل هذه الأمة الطويل، وبدأ العد العكسي للمشروع الصهيوني بعدما أسس محور المقاومة في مجتمعاتنا للحركة الهجومية الأكثر فاعلية وجذرية وسط مناخ التهافت والتطبيع مبدلا قواعد اللعبة.
وها نحن نرى دولة الاغتصاب والعدوان تمسح عار هيبتها الموؤودة على رمال غزة بالمجازر وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتخشى مواجهة المقاومين البواسل لتتحول من موقع الهجوم والانتصار الساحق السريع إلى موقع الدفاع وتعداد الخسائر.
إنَّ مقتل الكيان المصطنع الذي لم تتدنَّ وظيفته الاستراتيجية وحسب عقب طوفان الأقصى بل شارفت على الانحسار والانهيار يتمثل في مستويات ثلاثة:
الأول معنوي تجلى بانكسار عمود خيمة الكيان أي الجيش المهزوم المهرول الفاشل والمسحول في مشهدية حفرت عميقا في وجدان الصهاينة وأسست للخروج من أرض الميعاد غير الآمنة من خلال هجرة معاكسة ممنهجة ستترجم بعد أن ينجلي غبار المعارك.
المستوى الثالث يتعلق بالخسائر البشرية التي لحقت بجيش العدو الصهيوني والمعلن عنها بطبيعة الحال لا يتسق مع الأرقام الحقيقية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الجندي الصهيوني إضافة لعوامل نفسية أخرى انتزعت منه إرادة القتال وهذا في علم النفس العسكري يقود إلى مرحلة الانهيار الإدراكي الذي يسبق الهزيمة العسكرية ومصداق ذلك قول قادة عسكريين كبار إن جيش الاحتلال الإسرائيلي سلاح الجو ليس إلا..
والحال على وقع المعارك الضارية في غزة التي أظهرت جبن الجندي الصهيوني المذعور المسكون بهاجس طوفان الأقصى وصور فرقة غزة يسجل المقاوم الفلسطيني من شتى الفصائل بسالة أدهشت العالم من خلال مصطلح “مسافة صفر”.
ويجب على قوى المقاومة وأحرار العالم والهيئات الحقوقية والنخب العربية الإسهام الفاعل في تسريع وتطوير تحولات الرأي العام الغربي لاسيما في اوروبا التي تخشى سقوط صدقيتها الحضارية المهزوزة.
ما تقدم جعل الكيان الصهيوني مغلفا بأزمة الشك في وجوده وهويته و”إسرائيل” الوظيفة سقطت بالنقاط بانتظار الضربة القاضية التي يحددها محور المقاومة في الظرف المناسب وانسحاما مع ذلك فإن التدقيق بكلمة القائد الاستثنائي سماحة السيد حسن نصر الله نتلمس ذاك الدفق المعنوي الهادر واليقين الباهر والإرادة الفولاذية الكاسرة الحاسمة حيث ازدرى الكيان الصهيوني وسخَّفه في كلمته الأخيرة باعتباره غير موجود وبحكم الساقط موجها الكلام للدعامة الثانية للكيان بعد الجيش المهزوم أي أميركا التي هبت بآلتها الضخمة إلى المتوسط في محاولة لرفع الكيان الجاثم على قدميه.
وهذا شأن معنوي عظيم غير مسبوق في تاريخ الصراع بأن يرتقي التحدي إلى مستوى الأصيل وازدراء الوكيل المترنح فيأخذ الخطاب طابع الندية بين سيد المقاومة وأميركا الإمبراطورية العظمى.
أما في قراءات الميدان على الساحة الجنوبية فإنَّ حزب الله بعد التعمية للمواقع المتقدمة من خلال استهداف منظومات التجسس والمراقبة بدأ في استراتيجية تحطيم الحد الأمامي بضرب الدشم والآليات وتحويلها إلى حصون ميتة وهذا ما دفع العدو الصهيوني إلى زج أربع فرق عسكرية في شمال فلسطين المحتلة وتسليط نصف القبة الحديدية إلى هذا المحور ناهيك عن استنفار نصف القوات البحرية قبالة حيفا لرصد جبهة الشمال التي من بركاتها أن خففت الضغط عن غزة وكما أفرغ أو سعى الصهاينة لتشريد شمال غزة إلى الجنوب فإن حزب الله أيضا أجبر العدو على إخلاء ما يزيد عن سبعين ألف مستوطن من الشمال إلى قلب فلسطين المحتلة مع ما يحمله هذا التجميع من أعباء اقتصادية وشلل للقطاع الزراعي ونزوح داخلي شبه دائم عبر عنه المستوطنون بعدم عودتهم إلى 42 مستعمرة طالما أنَّ قوة الرضوان على مقربة من منازلهم.
وفي هذا السياق الميداني كان لافتا كلام أمين عام حزب الاتحاد الوزير حسن مراد الذي أكد الانخراط في التصدي لأي عدوان على لبنان وكذلك أعلن الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي علي حجازي عن اكتمال عقد جناح البعث العسكري ومثله الحزب السوري القومي الاجتماعي والشيوعي وبقية الفصائل والقوى والأحزاب اللبنانية الوطنية والإسلامية والفلسطينية وهذا إن دل على شيء فعلى إدارة ورؤية مستحدثة تستفيد من تجارب المقاومات في أي مواجهة مع العدو الصهيوني نراها تتدحرج على الجبهة الجنوبية وتأخذ بعدًا وطنيًّا وقوميًّا تحت عنوان الدفاع عن الأرض والإنسان وهذا ما يشكل بحد ذاته تقاطعا بين القوى القومية والإسلامية سيؤسس في قادم الأيام لمشروع نهضوي على مستوى الأمة ويسرع بتحرير الأرض والمقدسات.
كل ذلك رهن بسلوك العدو الصهيوني ومسار المواجهات في غزة حيث لا زال المقاومون يمسكون زمام المبادرة رغم الثمن الكبير في أرواح المدنيين ويرسمون المعادلات على قاعدة إدارة شؤون فلسطين خالية من اليهود وليس إدارة غزة من دون المقاومة التي هي مجتمع وشعب وفق ما يسوق ويشاع من مشاريع لا تتسق مع حجم الدم المهراق والتضحيات ..إنه الميدان الذي يرجح كفة الميزان والعنوان الوحيد لمستقبل غزة وفلسطين.