كتب مفيد سرحال | الحزب وصيغة الحكم في لبنان
مفيد سرحال | مدير تحرير موقع المراقب
استوقف الكلام الاذاعي لنائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حول الصيغة وشكل الحكم في لبنان معظم الاوساط السياسية والاعلامية لجهة تحديد الموقف القطعي لحزب الله من هذه المسألة الحساسة في ظرف حساس كونه قطع حبل افكار المتحذلقين من محللين وساسة وقادة رأي واعلاميين وأخرجهم من دائرة الوهم والتخيلات الى فضاء الحقيقة والواقع سيما وان اللهجة السائدة والحملة المساندة خاصة وسط معمعة الاستحقاق الانتخابي تندرج تحت عنوان (تغيير وجه لبنان السياسي والثقافي) ارتكازا الى القوة العسكرية وفائضها الفضفاض التي لو قيض لفريق لبناني امتلاكها لكان استبدل شجر الأَرز بالأرُز وغيَّر قشرة الكرة الأرضية !!!. الشيخ نعيم قاسم قال ما حرفيته:(ليس لدى الحزب اي مشروع لتغيير النظام محددا التشاركية سقفا للعلاقة بين المكونات… وحكومة وحدة وطنية). ان المدقق الحصيف يستدل من كلام الشيخ نعيم قاسم تمسك حزب الله بمنهج التسوية والوسطية والاعتدال والاتفاق والتوافق والتشارك وهذا يعكس فهما عميقا لواقع الاجتماع اللبناني وطبيعة تكوينه السكاني والتسليم بمقولة الوطن الثابت الدائم النهائي لجميع بنيه ،بعيدا”عن الترويج البغيض الهادف بافتراء موصوف حول اندفاع حزب الله بجنوح تصاعدي محمول بعقل اطلاقي الغائي لحكم البلد.. والتي اثبتت التجارب انه بجدارة وتفوق يمتلك القدرة لكن لا رغبة لديه ولا نية في مقاربة هذا الشأن التغييري القسري الخاضع لمنطق القبول التوافقي العام الذي ينعقد حوله اجماع او شبه اجماع وطني. ان عزف بعض القوى السياسية على وتر الهيمنة والسيطرة والتحكم بمفاصل الدولة واتهام المقاومة زورا بات واضحا” اندماجه في منظومة اقليمية دولية استخدمت شتى انواع الضغط والحصار المالي والتجويع وانهاك الاقتصاد والتستر على الناهبين الفعليين لاتعاب اللبنانيين حيث الارقام في قبضتهم وفي خزائن مصارف دول الحصار الجائر من رافعي شعار سيادة لبنان وقراره الحر. ان كلام الشيخ نعيم قاسم عن الشراكة وحكومة الوحدة الوطنية ينقض لا بل يسقط كل تلك الاجتهادات والتأويلات المصطنعة المضللة ومزاعم الغلبة والتغلب ويجدد التمسك بمفهوم التسوية كمفهوم متجذر في تكوين لبنان الوطن والدولة ويكشف عن ان منطق الاكثرية والاقلية عقب الاستحقاق الانتخابي يبقى محكوما بالتفاهمات تحت سقف الميثاقية الدستورية المأمول تجديدها . مع الاشارة في هذا المضمار الى ان العديد من القوى السياسية الحليفة للمقاومة احزاب وشخصيات وفاعليات ترفض المنهج التسووي في ادارة الحكم وتنزع بشكل جذري الى نسف الصيغة الطوائفية التوافقية القائمة ترجمة لاتفاق الطائف المتضمن صراحة في متنه الاصلاحي سبل وآليات الخروج من التركيبة الطائفية عبر قانون انتخاب عصري وانتخابات خارج القيد الطائفي. وعليه فالتصويب على المقاومة اتهام من دون بينة غرضه واضح ومفهوم لدى ذوي البصيرة النافذة والعقل الراجح بحجة الاصلاح لاصابة السلاح وبالتالي همروجة (الاحتلال الايراني) و(تشويه الوجه الثقافي للبنان ) وما الى ذلك من مصطلحات لا تعدو كونها اختلالات مفاهيمية سطحية وافرازات ادران خارجية ذات صلة بالكباش المفصلي بين مشروعين على مستوى المنطقة. وبالامكان تقديم شاهد من عشرات الشواهد والامثلة بان لبنان خارج دائرة النفخ المتمادي ب (الفزاعة الايرانية) التي كانت (بسطوتها وسلطانها) حالت دون قيام دولة عربية تعتبر العاصمة الدينية للمسلمين بالاطاحة بالزعيم الاول للسنة في لبنان الشيخ سعد الحريري في سابقة غير معهودة بين الدول المستقلة ذات السيادة بحيث تضع دولة شقيقة فيتو ساحق ماحق ماديا ومعنويا على زعيم لبناني يمثل الاغلبية الساحقة من طائفته وتجبره على الاعتكاف والهجرة القسرية الى خارج بلده في عملية نفي ومحو أثر سياسي في وقت جهد الثنائي الوطني بزعامتيه سماحة السيد حسن نصرالله ودولة الرئيس نبيه بري لحمايته واحتضانه والتمسك بمركزية قراره الوطني والسني على وجه التحديد منعا لانكسار التوازن الوطني واصابة الصيغة في احد مرتكزاتها الاساسية. ان الملمح التسووي المتمسك باهداب الصيغة التوافقية التي يكرسها حزب الله كما دولة الرئيس نبيه بري المترئس لحركة الامام موسى الصدر القائمة في اسسها الفكرية والنضالية على نهج الاعتدال واعتماد الحوار لغة وطنية لحظوية دائبة ودائمة يتأكد من خلاله ان العقل الشيعي لا يسعى لدولة كلية بل هي دولة تكاملية في العلاقة بينها وبين المجتمع واذا عدنا الى ادبيات كبار المرجعيات الشيعية في لبنان فنجد ان المغفور له الامام محمد مهدي شمس الدين الذي لم يكتف بتجميد السعي لالغاء الطائفية السياسية او سحب المشروع من التداول انما العدول عنه نهائيا واصفا الصيغة اللبنانية بانها (انجاز من اعظم انجازات الروح والعقل في لبنان،وقد تكون نموذجا ينبغي ان يستفيد منه الآخرون….وان لبنان انجز برغم كل تشكيك واتهام (افضل صيغة في التاريخ للعيش المشترك) وأن (الواجب الديني اولا والسياسي ثانيا يفرض المحافظة عليها وصونها وترسيخها) بمعنى ان صيغة التوافق الديمقراطي من خلال ترسيخها على اسس رشيدة تشكل عنصر استقرار وقوة وتماسك للبنان إذا( استخدمت بعدالة وبروح انسانية). بناء على ما تقدم يتسق كلام الشيخ نعيم قاسم مع هذه الرؤيا الوطنية التي تعبر عن (النظرة الشيعية ) الشاملة للكيان اللبناني وآليات الحكم والصيغة القابلة للتجدد والتحديث والترشيد كما يصفها الامام شمس الدين بالتالي استهداف الحزب بالمنطوق الاتهامي بوضع اليد على البلد ليس سوى عدة شغل بأيدي الخارج وضجيج طبول جوفاء.