مفيد سرحال | كاتب وباحث لبناني
في الوقت الذي اقفل فيه باب الترشيحات للانتخابات النيابية التزاما بالمهل التي حددتها القوانين المرعية الاجراء أقفلت آلاف العوائل ابوابها على الصقيع والنكوص المعيشي المزري الى حدود العوز والجوع وتفاقم الازمات المالية والصحية والتربوية بما يشبه التحلل التدريجي لقطاعات الدولة بيد ان الحكومة تمضغ القرارات كما القات في حال هذيان وترقيعات جوفاء لا طائل منها وسياسات متجددة لتلك التي اودت بنا الى التهلكة في شتى المناحي . لن تغير الانتخابات شيئا سوى التكريس الابدي لنظام التحاصص والسلطة التي لم تبرح تقدم نفسها وحتى اشعار آخر بوصفها ملكية خاصة فالجماعات الطوائفية سلطات قائمة بذاتها لذاتها والوزارات عقارات لهذه القبيلة او تلك وسيادة القانون والمؤسسات تتكيف وفق حاجات القبائل وخصوصياتها وسط غياب كلي لفكرة المواطنة . والسؤال المركزي ما قيمة الانتخابات بعد هذا الكم الهائل من الاشكالات والاستعصاءات في الحكم اذا لم تفتح الافق باتجاه حركة تغييرية تسقط عن النظام السياسي رداءه الابدي واحلال فكرة المواطنة مكان فكرة الجماعات وجعل المواطن مرتكز النظام دون حاجته الى وكيل او وسيط (قبائل الطوائف) بينه وبين الدولة. لا حاجة للتذكير ان ليس بالامكان الاستمرار على ما كان من صيغة ابعد ما تكون عن نظام الدولة العصرية حيث يفترض ان يسود النظام التمثيلي المؤسسي والنظام الرقابي الشعبي لممارسة الاحتساب القانوني والدستوري على تلك الدولة للحد من العبث في الحكم والاستنسابية وتجذير الفساد كوليد شرعي للتحاصص الطائفي الذي دمر المؤسسات واطاح بهيكل الدولة ومرتكزاته . صحيح ان التغيير المنشود لآليات الحكم لا ينشأ عفوا او بقرار بل هو ثمرة سيرورة موضوعية من التحولات والتراكمات ولبنان اختبر ما يكفي من التجارب الكفيلة بالانتقال الى حكم رشيد يحفظ الكيان وكرامة الانسان . ان الانتخابات المنتظرة لزوم ما لا يلزم وصورة منقحة لما نحن فيه وعليه جراء العجز عن مقاربة الحلول والاصلاحات التي اقرها اتفاق الطائف المنتهكة نصوصه والمسفوحة آلياته الدستورية بالأهواء السياسية والمناكفات والتفسيرات الملتوية والكيدية لمواده وكربجة الحكم امام غموض النصوص وما تستبطنه النفوس . فالانتخابات ملهاة ومضيعة للوقت وهدر للمال والفرص والبديل عنها طاولة حوار جدية تنظر بالاعطاب والثغرات في تطبيقات الطائف وتنزع مفخخاته النصِّية الملتبسة بعقل منفتح خال من العقد المضمرة والذهاب الى تنفيذ البنود الاصلاحية التي اقرها الطائف كونها المدخل السحري لحل القسم الاكبر من ازماتنا المتناسلة اي قانون انتخابات عصري وانشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وتطبيق اللامركزية الادارية الموسعة . ودون ذلك هراء وغوص تلقائي في التيه والتخبط وانزياح وانحدار متسارع الى مهاوي الزوال الحتمي للكيان . واشاحة النظر عن تلك الاصلاحات والهروب من مقاربتها بحجة الظروف الغير ناضجة سيأخذنا الى الأسوأ ولا يجوز التمادي في التطنيش والمراوحة القاتلة. الم يتبصر ويتفكر المسؤولون بتلك المفردات المقيتة التي استشرت كالفطر المسموم مثال:لا نشبههم ولا يشبهوننا اليس ملحوظا الانقسام العامودي في مسألة الخيارات الوطنية والقومية وهل غاب عن نظر الجميع تلك الاستباحة للساحة اللبنانية من شتى الجهات من سفارات واستخبارات دول وهجمة على ثروتنا الوطنية واستهداف وقح لعامل القوة الاوحد اي المقاومة التي تصون السيادة . الم يلتفت المسؤولون لمخاطر التوطين لاخواننا الفلسطينيين والنازحين السوريين في ظل هيمنة اميركية متوحشة خنقت اقتصادنا وجوعت شعبنا وحاصرت مغتربينا تحت مسمى الارهاب لتمرير تلك الصفقة على حساب لبنان والعبث بتركيبته الديمغرافية لاغراض وحسابات ليست خافية على احد. الم يطلع المسؤولون على الخرائط المعدة في الكونغرس الاميركي لانشاء المعازل والمحميات الطائفية والفصل الكريه بين اللبنانيين تحت شعارات وتصنيفات تنطوي على الكراهية والتنكر لوحدة الحياة بين ابناء الشعب الواحد . بناء عليه وتكرارا الانتخابات ملهاة القطيع انها الولادة المتجددة من خاصرة الازمات البنيوية والنظام المفتوح على العدم سيماوان المواطن لا يعبأ لهذا الاستحقاق ومزاجه مرارة وخيبة والمفاجأة الصاعقة المنتظرة التدني في مستوى نسبة الاقتراع وعدم امتثال الناس لشعارات الاستنهاض والتجييش فالهوة سحيقة بين من هم فوق ومن هم تحت الذين ليس من تحتهم تحت فإما اسراع من هم فوق لابتداع الحلول التي تليق بالمسؤولين الحقيقيين في النكبات والازمات والا نحن امام مصير مجهول سيضعنا على مأدبة الامم وتحت مبضع الدول الكبرى في صيغ اشبه بالقبرصة والصوملة والعرقنة وسط قابلية التماهي تحت سياط اليأس والقلق وانسداد الافق.