مفيد سرحال | كاتب وباحث في الشؤون السياسية
ثمة في لبنان سمة حصرية طبعت الحياة العامة مذ كان الكيان يصح تسميتها “لوثة المصطلحات” التي في الغالب الأعم هي نتاج الخلل البنيوي المتجذر في النظام القائم وتضارب التعريفات حول الهوية الوطنية والانتماء والخلط في المفاهيم بين الدولة والسلطة .
والحال في حمأة الأزمات تتزاحم المصطلحات كتعبيرات بديهية عن عمق الاشكاليات وعقم المعالجات فيما خص المعايير والقيم الناظمة للحياة العامة والثوابث الوطنية والميثاقية .
وللأسف الشديد تجتاحنا في هذا الخضم موجة صاخبة من العبث ترقى الى الثرثرة الفارغة وضرب القيم التأسيسية ،ومن هذه المصطلحات التي أطلت علينا من نافذة قصر بعبدا والانسداد في مسار الاستحقاق الرئاسي حد الاختناق والشلل الكلي في المؤسسات ووظائف المنظومة الدستورية القانونية ،مصطلح ان الرئيس العتيد لا يعبر عن “الوجدان المسيحي” ولا يقتصر هذا المفهوم المستجد على فئة في الوسط المسيحي انما يشمل حالة التضاد في البيئة عينها بما يشبه التشكيك بمسيحية هذا او ذاك من المرشحين الذين اضحى اخضاعهم للفحص الجيني من اللزوميات الرئاسية الطارئة والبديهية.
ازاء هذا المصطلح المستجد الذي يضاف الى قائمة تطول و ترشح عن العقل اللبناني الفريد زمن الاستعصاءات المفصلية او الاسترخاء المصطنع يطل برأسه سؤال جوهري من وحي الطقس الرئاسي يقول: أين الوجدان الوطني العام في هكذا استحقاق اذا ما صرنا غارقين في زحمة وجدانات متقابلة تعيش أناها الضيقة فيما ال “نحن” الجامعة تائهة في خصوصيات مجاميع الذات الفئوية.وتتناسل الاسئلة في هذا المضمار : ماذا لو طلعت علينا الجماعات الطائفية في البلد كونها كيانات قائمة بذاتها وعبرت عما يعتمل في كينونتها بالقول ان الاستحقاق كذا وكيت لا يتواءم مع الوجدان الدرزي او الشيعي او السني او وجدان الاحياء والحارات والأزقة او وجدان كبير العائلة والجب والسلالة؟؟؟
في العام 1943 كان عدد النواب المسيحيين 54 نائبا والمسلمون 45 نائبا وكي لا ينتخب الرئيس المسيحي بالنصف زائدا واحدا بأصوات المسيحيين وتكريسا للشراكة الوطنية في اختيار رئيس البلاد شاء المشترع ان يحدد النصاب بالثلثين كي يكون للمسلمين رأي في الرئيس العتيد.
هذا الشاهد يدلل بالمعنى الميثاقي على ان الرئيس يفترض ان يعبر عن عن الوجدان الوطني العام وكما جاء في المادة 49 من الدستور هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن،يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه وفقا لأحكام الدستور….ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي….
بالتالي مسألة الوجدان المسيحي ليس حيزا عاطفيا مطلقا فهناك ما بين 40 و50 بالمئة من المسيحيين لم يقترعوا و35 نائبا يتوزعون على التيار والقوات والكتائب فيما 30 نائبا خارج هذا الاصطفاف الذي برأيه يختزل الوجدان المسيحي ولا ننسى ان النائب طوني فرنجية حاز على 50 الف صوت من المسيحيين مع حلفائه وهؤولاء هل من الجائز اعتبارهم غرباء عن الوجدان المسيحي كما لا أحد كائنا من كان باستطاعته قطع صلة قائد الجيش العماد جوزيف عون بالوجدان المسيحي.
بناء على ما تقدم اللبنانيون عموما بتوق وشوق لانتخاب رئيس جمهورية يعبر عن شعورهم بالحاجة الى بناء وطن سيد حر مستقل ودولة قادرة عادلة قوية بديمقراطيتها على ان تكون فاعليتها قائمة من خلال شطب الذهنية السائدة المناقضة للالتزام المواطني ولمفهوم الشأن العام والمؤسسات .
دولة ترسخ وتثبت قضايا حسمها اتفاق الطائف ولا يجوز الدخول مجددا بمغامرات ومقامرات تأخذنا الى مجاهيل الخراب والاحتراب حيث
حدد العدو كما الصديق ونهائية الكيان ورفض مشاريع التجزئة والكنتنة وسواها من الصيغ.
ان شهر أيار الحالي الذي حفل ولما يزل على المستوى الاقليمي بمحطات ولقاءات ذات بعد استراتيجي بدءا بزيارة الرئيس رئيسي التاريخية الى سوريا ودلالاتها لجهة انتصار سوريا والمحور المقاوم على المخطط الاميركي الصهيوني الهادف تشليع المنطقة العربية وأيضا عودة العرب وجامعة العرب الى سوريا وحلحلة الملف التركي ،كل ذلك سيسهم ولو متأخرا وبالتدرج الملفاتي (اليمن،العراق،سوريا،لبنان) بانجاز الحل اللبناني رئاسة وحكومة الا ان الأسوأ في حال استمر العبث و(علك) المصطلحات والتمسك بالمعيار الوجداني في مسألة الرئاسة فان فرصة عدم تعيين حاكم لمصرف لبنان واقعة حكما والفراغ الرئاسي سيطول الى حد اعادة النظر بلون وهوية الرئاسة الاولى مع تغيير جذري في بنية الحكم حسب ما اكد مرجع دستوري رفيع يتأسى ويتألم وجدانه من واقع الحال ..