كتب مصطفى خازم | رحيل شيخ كار.. الحب
مصطفى خازم | رئيس تحرير موقع العهد
هو سابع “عواميد” بعلبك، وثامن أعمدة “السفير” “على الطريق” ويسار صفحتها الأولى لجهة القلب دائماً.. إنه طلال سلمان..
طبع الصحافة بوسمه المميز مع إطلالة أول أعداد “السفير في 26 آذار/ مارس 1974. أبو أحمد، كنيته المحببة، والأستاذ لأجيال من حَمَلة الأقلام والكتبة.
ليس من جيل من ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب، ولم يلج المهنة من باب الوراثة، بل صنع المجد بيديه حفرًا بحروف المطبعة، مصححًا، فمخبرًا عن الأحداث كما كان يسمى في أعراف الصحافة، وهو الأقرب إلى المراسل من أرض الحدث.
عاشق فلسطين الأبدي، ومتتبع آثار جمال عبد الناصر. كانت كلماته القصار أعلى الصفحة الأخيرة من كل عدد، إمّا تحفيزية وإما تعريفًا أو شرحًا لمفهوم.
يضحك حين يخبر كيف دخل عليه ياسر عرفات (أبو عمار) حاملًا بندقية على كتفه وبيده أول بيانات الثورة الفلسطينية، ويمتد الخيط طويلاً حتى آخر زفرة خرجت من صدره حبًا للقدس ويافا.
لم تكن مفكرته تتسع لأرقام هواتف الزعماء والرؤساء. يطير من بلد إلى بلد، حتى انتصار الثورة المظفرة في طهران، ، فخرجت “السفير” تحمل مانشيتًا بالفارسية “بهمت خميني..شاهنشاه دربدرشده” أي بجهود الخميني.. الشاه إلى السجن.”.
شيخ طريقتنا في عشق المقاومة ورجالها، والقلم الذي بقي يكتب رغم نزف الصدر والوجه بعد محاولة الاغتيال الآثمة في رأس بيروت وأمام منزله. كنت أرقبه يوميًا في صباحات الاجتياح وأنا أدلف إلى مطابع “النهار” التي كانت تطبع من الصحف ما كايد الاحتلال وبقي يصدر في صيف الانتصارات وحصار بيروت في العام 1982 والذي في مثل هذه الأيام كان انكساره على شواطئ عين المريسة، وشوارع الحمرا و”الويمبي” وصيدلية بسترس وجسر سليم سلام، ما جعلهم ينادون عبر مكبرات الصوت: “لا تطلقوا النار.. نحن راحلون”.
يقف شامخًا كأحد أعمدة بعلبك، ببزته الزرقاء ولفافة التبغ في يده، أحني رأسي مصبّحًا، فيرد التحية ببسمة، كما نسمة الذي تقمصه أو تقمصه والذي لم يعرف له مهنة إلا الحب.
رفيق “حنظلة” في كلمات “أيوب” مثل هذه الأيام على أبواب محال شارع الحمرا. لكأنما شاء الله أن يرحل وهو مطمئن أن زمن الانتصارات بزغ فجره قبل أربعين ليلة وليلة لأن السنوات أمامه ليست الا يومًا أو بعض يوم..
خانه القلب ولم تخنه الكلمات يومًا. أبو أحمد الأنيق، المهذب، هادىء الملامح، كأسد معبد باخوس، وهدير كلماته كما الرياح في السهل الممتنع بقاعًا على الأعداء يدوي ويرعد على الجبناء والخونة.
أبو أحمد لك منا كل الشكر، والعرفان، والامتنان، فنحن مريدو طريقتك، سنفتقد مخملية عباراتك، وبديع وصفك ورسمك ولوحات حروفك، ورائحة تبغك وسبحة أورادك الفلسطينية، لكن عهدًا سنتابع الجد في حلقتك لنصلي في القدس.
سلام عليك.. ونحن في الأثر.