محمود بري | كاتب وباحث لبناني
لا أحد يكفي ولا شيء لستر هذا العيب الذي إسمه برلمان لبنان… مهما كان رئيسه لامعاً واستثنائياً ومهما كثرت أرانبه الأعجوبية، فلن يطلع بيده شيء مع هذه المجموعات من المتبطّلين، وفي أحسن الأحوال المراهقين في السياسة، الذين “ليس منهم نوى”.
لا ريمون إده هنا ولا رشيد كرامي ولا كميل شمعون ولا صائب سلام ولا عادل عسيران ولا بهيج طبّارة ولا بيار الجميّل ولا كاظم الخليل… ولا… ولا…
لذلك فالمحتوم لا بدّ منه: لا كابيتال كونترول ولا خطة تعافي ولا استعادة للمنهوب ولا أي ضمان لاستمرار الرواتب. ولمن يهتم بعد، فلا انتخاب رئيس.
البرلمان اليوم، مثله مثل البلد، في حالة انحطاط مفتوح على الكوارث، فاقدٌ وزنه مثل أيّ سِكّيرٍ تنفخ فيه الريح في متاهة على شفا حفرة بحجم النهاية.
في الذاكرة أسماء أخرى للمحنة. حسين الحُسيني النائم بحرص مرضي على مسودات وأصول الطائف، كأنّ منعها هو الحلّ. بطرس حرب الذي حين طالبه زميل صحافي عن مصير عدة مئات الألوف من الدولارات “تبخرت” تحت إدارته حين كان وزيراً للموبايل، أجابه غامزاً من قناة فؤاد السنيورة: تسألني عن بضعة مئات ألوف الدولارات (قالها بلهجة تهكّمية)، وتتناسى الـ 11 مليار دولار…!!!
المشهد مأساوي ممل يسوده الضيق والإحباط و”التخبيص”، وتملؤه جلسات مسلسل التفاهة وانعدام الحياء، ولا أحد يعنيه ما وصل إليه الذين انتخبوه (هل انتخبوه فعلاً أم هي خدعة صناديق مُعلّبة؟)… ليس هؤلاء مُؤتمنين على بلد بل ههم أقرب إلى زُناة في أَمَة مُستباحة كأيّ أمَة في جاهلية المرحلة.
مُنتحلو لقب “التغييريين” منهم، غلب عندهم الطبع على التطبّع فلم يُغيّروا سوى… ربطات العنق التنكرية التي يستخدمونها لمحاولة تحسين قماشتهم القميئة، في حين أن الذين ركبوا موجة ما كان “ثورة تشرين”، “حلّت” ألوانهم وغرقوا في خوائهم المقيت والجدالات المجوّفة حول جنس النِّصاب.
نشاط ما يُسمى بالمجلس النيابي بات لا يزيد ولا ينقص عن كونه تراكماً سمجاً من التحاقد الكريه ولعب الكشاتبين الوقحة بلا أي مسؤولية ولا خوف من الله… مياومون في العهر يتمثلون بمحترفي المقامرات الصغيرة التي ازدهرت في الماضي الذهبي على بوّابة شارع المتنبي مقابل سينما متروبول…عندما كان عندنا بلد وسينما وسوق بغايا.
اليوم، وبسببهم، لم يعد عندنا إلا واحد من هذه المسميات فقط، تمدد حتى صار البلد كلّه.
فلماذا أي جهد لتدوير الزوايا، ولماذا الرئيس بعد… وقد أقفلت الجمهورية كتابها؟
مسكين الرجل. العاقل الوحيد المُشرّد قي عصفورية نهّابين. ليس أنه نبي عصره، بل الأصوب أنه النبي الذي لا كرامة له في وطنه… لكن من محاسن الصدف أن يكون بسبعة أرواح… وأكثر، ليستطيع أن يطوّل باله ويدعو كل أسبوع، إلى جلسة تؤمّها غربان ناعقة يتلهّون بالجعدنة.
“التوافق السياسي” الذي من دونه يستحيل الخروج من دوامة الفراغ، حسب ما يعلنه المُبتلي برئاسة المجلس، هو توافق مستحيل بوجود هؤلاء، إذ ماذا يمكن أن يُنتج “الرجل الجبّار” و”الرجل الوطواط” و”البرق” و”سبايدر مان” وجميع المشابهين لو تكثّفوا في شخص واحد… وماذا يمكن له أن يُنجز؟
كل السِعة السياسية والمقدرة الإستثنائية لهذا الرجل لن تـأتي بشيء من حلب الخِواء.
فبالله عليكم: ماذا يفعل نبيه بري في هذه الجلجلة…!