محمود بري | كاتب وباحث لبناني
هل هي حقاً حرب إلغاء بين الشيعية والمارونية السياسيتين؟
هذا الكلام على كثرة تكراره في هذا الإطار، ليس من أبناء الواقع. والعلاقة بين العونية والحزب اللهية لم تبلغ هذا المستوى، ولن تبلغه. ومن يعرف الرئيس بري جيداً (وهو المعني اساساً) يدرك أن الرجل في هذا الإطار بالذات، يستمتع ويبرع بممارسة سلوك حافة الهاوية، وهو يعلم جيداً أن “حليف الحليف” لن يكون في أسوأ الأحوال في خانة العداوة. والفضل في ذلك ليس لوجود مارونية قوّاتية يتفق الرئيس بري مع السيد نصرالله والعونيين معاً على توصيفها، ويدفع بري بقوة الى الإبقاء على جسر ثابت مع العونية التي لا تخلو من نكهة حزباللهية ثابتة، وبالتالي فهو لن يعتبر العونية اكثر من مثابة “الإبن الضال” الذي لا غنى عنه لقيامة لبنان في جميع الاحوال. وهنا مربط خيل السياسة اللبنانية لحامل امانة السيد موسى الصدر.
الواضح خلف غبار المناكفات البرية-العونية، هو مداراة الحليفين اللدودين لجدار حزب الله الذي يسندان ظهريهما عليه، وحرصهما المشترك على مداراته، كلٌ على طريقته. وإذا كان التنافر القائم بين العونية والقواتية هو إحدى ضمانات الرئيس بري، فإن حرص الحزب على محاولة استيعاب العونيين وعدم القطع معهم مهما كلّف الأمر، هو الضمانة الأخرى المقابلة. بينما يمثل إصرار رئيس التنظيم العوني جبران باسيل على رفض بيع علاقته بالحزب مقابل “قمبز” القوات، الضمانة العونية المقابلة.
المشكلة الأساس أنه ومنذ توقيع وثيقة “مار مخايل” بين السيد نصرالله والجنرال ميشال عون، قام البناء على إشكالية في الفهم. فالوثيقة لم تكن تحالفاً كاملاً بالنسبة للحزب، بينما اعتبرها العونيون تحالفا تاماً ناجزاً، ومضى كلُ من طرفيها يعمل حسب افكاره المسبقة، فكان من الطبيعي ان يحصل ما حصل. ووجد بري المدرك لهذه الحقيقة، أن أمامه مساحة للعمل بما يزعج التيار ولا يثير حفيظة الحزب.
أما الخروج من عنق الزجاجة الحالي فيتطلّب من كلي العونية والبرّية نوعاً من إعادة التموضع في علاقتهما بالوضع الداخلي المتفاقم، وأخذ شكوك العونية بنظر الاعتبار. ولعل هذا ما يريده الحزب ولا يُعلنه بالفم الملآن أمام الملأ، بانتظار أن تبرد الرؤوس الحامية من خلال التواصل القائم بالواسطة بين الحزب والتيار عبر المساعدين. هنا يبرز الدور التخريبي الذي يؤديه الرئيس المستقيل نجيب ميقاتي من خلال مسالكه الحكومية المستفزة للعونيين، من دون ان يلقى اي معارضة من الثنائي، ما يرفع حرارة الرؤوس العونية التي تجاوزت مرحلة العتب على شريكها في وثيقة التفاهم.
من هنا فإن الحل لهذه الإشكالية يتطلّب نوعاً من إعادة ضبط التفاهم بين طرفي الثنائي، وبخاصة بشأن مسالك ميقاتي الاستفزازية للعونية. فالتيار الوطني الحرّ حليف أصلي للثنائي، وما يتفقان عليه أعلى أهمية وخطورة من إهمال مراعاته. وهنا فقط يصبح الإصرار على ترئيس فرنجية مسألة خاضعة للبحث.
وما لم يتحقق ذلك، فإن مواصلة دقّ الماء لن يحوله إلى… شاي.