كتب محمود بري | كلّنا في بيت النار
محمود بري | كاتب وباحث لبناني
ينبغي إنهاء وقت اللايقين بخصوص مسألة النزوح والنازحين، والامتناع العاقل عن لعب دور النعامة المتحامقة بالجلوس بعيداً على كرسي اطمئنان مفتعل (كاذب) تحت يافطة غير مُعلنة مفادها “قمنا بالواجب وليس بالإمكان غير ما هو كائن”.
ليس مُجدياً بعد التلهّي بترداد أرقام همايونية تزعم تقدير النازحين تارة بمليون ونصف وطوراً بمليونين ومئتي ألف، مع إصرار خبيث على دفن الوطن في جبّانة إيعاز شكلي للبلديات الممدد لها ضد القانون، بإحصاء الأعداد (وكفى الله الدولة شرّ الإحصاء)…
أليس معروفاً أن فلسطينيي مخيم اليرموك وحدهم الذين حاربوا الدولة السورية الحاضنة لهم، تسرّبوا بأعداد هائلة إلى مخيمات الشتات في لبنان (والجميع يعلم)، وهم يزيدون أضعافاً مضاعفة عن مجموع أرقام النازحين المُعلنة (رسمياً)، مع العلم أنهم “أعداء” مجرّبين للدولة السورية ولمن يناصرها، ولا تأتي السلطات الرسمية المحلية على ذكرهم البتّة!.
هذا في حين أن مرض النزوح الساري والمتواصل بفضل الحدود المسيّبة عن تصوّر وتصميم، يتفاقم بمعدل يومي أشار محافظ البقاع بشير خضر في تصريح رسمي إلى البعض اليسير جداً منه حيث قال إنه “يتم ضبط ما بين 20 و30 عائلة تنزح يومياً من سوريا في محيط عرسال وحدها التي تضم 147 مخيما للنزوح السوري، عدا الشقق المستأجرة والمحلات التجارية…”. والحال أن الأعداد تجاوزت مجموع عدد المواطنين العرساليين بأضعاف. هذا من دون إغفال طوفان النزوح عبر المعابر المسماة غير شرعية على حدود يبلغ طولها 375 كيلو متراً.
لا أحد يزعم أن أعداد هؤلاء جميعاً باتت أكثر من مجموع الشعب اللبناني، على الرغم من أن هذا بات أقرب إلى الواقع، بينما لا يتوقف الطوفان ونصب الخيم…
فهل تكفي مطالبة بعض المطبّلين بتخصيص جلسة للحكومة المستقيلة لبحث موضوع النزوح، وهي المطالبة التي استغلها الرئيس ميقاتي لزج لغم “تعيين” حاكم للمصرف المركزي، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس المجلس النيابي…؟!
وماذا تعني استنتاجات البعض عبر الإعلام بوجود أكثر من 200 ألف من الشبان النازحين ممن يمكن أن يتحرّكوا، تماماً كما أوعز لهم ذلك “المعارض” السوري حامل الجنسية الأجنبية، مُطالباً النازحين بالتسلح والقتال ضد اللبنانيين؟!
القضية لم تعد مجرّد أزمة عابرة… بل قضية وطن، ومنظمات الـ ngos لا تُخفي أجندتها بتوطين النازح. فإلى أين من كل هذا؟ وهل يصح إيكال مسألة بأهمية إنقاذ لبنان كوطن نهائي للبنانيين، إلى سلطة لم تفعل شيئاً مام نكبة اغتصاب مدخرات اللبنانيين (وغيرهم) في البنوك…؟
لا بدّ من حلّ. والوقت الذي يمرّ ليس في صالح أحد، بينما إن الشعب الواحد الذي في بلدين يصبح شيئاً فشيئاً شعبين في بلد واحد؟
المنطقة برمتها على كف عفريت. ولبنان في مقدّمة المصير الأسود، يهترئ بلا رئيس ولا أدارة ولا ليرة…، رهينة الانقسامات والسياسات العابثة وانعدام المسؤولية. ولا أمل في يقظة ضمير، ولبنان في بيت النار.
لا بد من ترداد المثل السائر بأن نفض كيس الفحم لا يُخرج غُباراً ابيض.