محمود بري | كاتب وباحث لبناني
هل صحيح ان واشنطن لا تريد رئيسا للبنان يدعمه حزب الله، وهل صحيح أن السعودية لا تتدخل في الانتخابات الرئاسية وأنها تريد أن يكون المخرج لبنانياً من دون أيّ تدخّل خارجي؟
يبدو أن السؤالين باتا يتصدّران المشهد الرئاسي المُقفل على خواء ناشط. فلا توافق مسيحياً- مسيحياً على مرشح مقبول من الجهتين، ولا تراجع للثنائي عن تأييد سليمان فرنجية، وبالتالي فالانتخابات ينبغي أن تكون مُرحّلة إلى غد لن تأتي به سوى مفاجأة استثنائية لا يتوقعها أحد.
الرهانات التي جرى بناؤها على رمال المصالحة السعودية- الإيرانية، اخرجت وما تزال تُخرج اوراق أولوياتها التي لا تتضمن أيّ ذكر للبنان وأزماته. والناشطون المحليون على الخط الرئاسي يكشفون عدم أهلية وطنية مُحبِطة ويتخبطون في سياق مباراة خرقاء في رفع السقوف على منصات عنتريات خاوية، مُقدّمين الدليل تلو الدليل على أنهم لا يملكون أيّ خطة سياسية واضحة لإنقاذ البلد ولا حتى لإنقاذ أنفسهم.
أما المنصرفون إلى تكحيل الموقف السعودي والزعم بأنه أراح الساحة اللبنانية بعدم رفعه أيّ فيتو، فهم تجاهلوا أنه ايضاً لم يسهل الطريق الرئاسية على الإطلاق ولم يساهم في حلحلته بل زاد تعقيد الوضع المعقد أساساً، وهي النتيجة ذاتها التي أفضى إليه الحياد الإيراني المعلن. ربما كان الأنسب أن تدخل الرياض وتهران كليهما مع حليفيهما المختلفين لدفع الحوار الداخلي إلى الأمام، بدلاً من غسل الأيدي والجلوس على الضفة، تاركين لأيديهما اللبنانية حرية الحركة على غاربها، ما يعني أن كلا البلدين لا يريدان ان يضغطا على حلفائهما ولا ان يقدم اي منهما على تنازلات يمكن أن تحسب انتصارا الآخر.
باختصار تبدو الصورة رمادية تتجلّى وسط شكل إطار فارغ. فمواقف السفير البخاري في “نأيه بالنفس” تلاقَت بشكل من الأشكال مع مواقف وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان في زيارته الاخيرة الى بيروت والجنوب، عندما تجاهل الحديث عن الاستحقاق في مجموعة لقاءاته مركّزاً على لغة “المواجهة” المفتوحة مع “الكيان الاسرائيلي” والحديث القديم ـ الجديد عن استعدادات بلاده لتقديم الدعم والمساعدة للبنان لتجاوز أزماته، خصوصاً في قطاع الطاقة والإنتاج الكهربائي.
والى المواقف الفرنسية والايرانية كما السعودية، لا يمكن تجاوز مسلسل المواقف الاميركية التي عبّر عنها الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية اكثر من مرة ورَددته سفيرة بلاده في بيروت دوروتي شيا، بأنها لم ولن تتدخل في اسماء المرشحين لأن ليس لديها اي مرشح يستظِلّ دعمها في لبنان. وهو أمر استنسخته مواقف مصرية وقطرية ليكتمل عقد مواقف الدول الخمس. وإن كانت الاجواء تتحدث عن دعم قطري لقائد الجيش العماد جوزف عون، فإنّ مثل هذا الموقف لم يصدر عن القطريين لا بطريقة مباشرة ورسمية ولا مواربة حتى اليوم. ما يعني الحيلولة دون إنتاج الحل في لبنان وانتخاب الرئيس العتيد بتوافق داخلي باتَ الحديث عنه يُشبه المعجزة على ندرة المعجزات في مثل الظروف التي تعيشها البلاد.
من هنا يبدو ان المسلمة التي تتقاطع حولها القوى الرئيسية وسط موجة الضياع التي تضرب جماهير الطرفين المحليين، تفيد بأن كل الكلام عن انتخابات رئاسية هو محض خيال، لا سيما وانه من المبكر الكلام عن أن حزب الله في وارد القبول بتسوية تعطي للأميركيين حصة في الرئيس المقبل. على هذه الاسس، ليس من السهل ان تؤدي هذه السياسة الى اي انجاز ايجابي يُنهي الفراغ الرئاسي الذي اقترب من شهره السابع. ما يعني إبقاء اللبنانيين جميعاً في عمق المأزق الذي وصلوا اليه. ثم إن البيان الاميركي الاخير ظهّر بوضوح تمايز الادارة الاميركية عن المبادرة الفرنسية، ما يشي بنوع من المواجهة غير المعلنة بين الطرفين، وهي مواجهة لا تترك لباريس مساحة لكبير امل في الفوز. وهذا ما يكشف أن ما يجري بخصوص رياض سلامة هو صراع فرنسي اميركي يستبطن توجه باريس للعودة إلى الإمساك بالوضع اللبناني عبر البوابة الاقتصادية. وهو مثل وعد إبليس بالجنّة.
وحده الحزب الجنبلاطي الذي تسلّى بتأييد ميشال معوض على مدى 11 جلسة انتخابية فاشلة، نجح بذكاء في إخراج نفسه من الاصطفافات الانتخابية، وجلس مرتاحاً على ضفة النهر ينتظر اللحظة المناسبة للدخول مجدداً حين تأزف اللحظة المناسبة.
أما الذين ينتظرون كسر رياض سلامة، بمواصلة التنقير عليه لإدانته، أو على الأقل، لإجباره على الإستقالة، فهم كأنهم يحلبون الهواء. فالرجل هو المنظومة، و إقدامه على الاستقالة يعني إدانته والمنظومة معاً، الأمر الذي لن يحققه الحماس الفرنسي ولا التظاهرات العونية. فاليد الأميركية هي العليا، والسعي إلى ليِّها أشبه بالكتابة على الماء.
وحده الحل اليقين هو ما سيأتي من إعادة تعويم الاتفاق النووي الإيراني –الأميركي. وهذا ما هو المعجزة المرتقبة.