كتب محمود بري | ربمــــــــــــــــــــا…
محمود بري | كاتب وباحث لبناني
يقولون إننا والوطن بألف خير…
وطالما أنهم أبناء الشمس وآباء القمر، وقد ربحوا يانصيب الحرب ولوتو السّلم الأهلي، ينبغي علينا، زوجتي وأنا، أن نصدّقهم ونشكر لهم تضحياتهم لنا / بنا، ونُقسم أمامهم بأننا سنمتنع عن ممارسة رياضة النّق … فهو كما يقولون يسمّ البدن ويجلب النحس ويقلب نفس البُنى التحتية. وبناء على هذا النشيد البلدي المتواصل، ينبغي أننا والوطن فعلاً بألف خير. وهذا دليل إضافي على أن الذين فوق، وما أحلاهم، يعرفون أكثر منّا، ويُحسنون في لحظة نادرة، الجمع بين المدينة الفاضلة .. والضفادع ، إذ يقدّمون لنا كلّ يوم، مدناً فاضلة خيالية، فيها ضفادع حقيقية.
لكن …
وبينما كنت منصرفاً إلى اطمئناني صباح الخميس الماضي، رأيتُ ما جعل ضبانات عقلي تطير. فقد ضبطتُ زوجتي في حالة تلبّسٍ بالنّق… كانت تظن أن البلد ليس بخير، ولا نحن. وعندما فاتحتها بالأمرمستنكراً، رمقتني بتلك النظرة اللئيمة التي أعرفها وزعمت أن التطمينات الرسمية غشٌّ مثالي، وأن البلد يقف في عين الإعصار، ينتظر “فتّيشة” ليهبّ كأنما ركبه الجان.
الحقيقة أن ظنونها هزّت بدني، وجعلت الفأر يلعب في عبّي…والأفاعي، فخاشنتها، وتيّستُ عليها، وصرختُ، وكبّرتُ الكلام، ورفعتُ سقف المواجهة … ثم رُحت أطلي وجهي بالمساحيق الملوّنة كما يفعل إخواننا الهنود الحمر… استعداداً لنصرة لبنان بعد العدوان.
هذا في الإعلام، أما تحت الطاولة فقد كنت خائفاً حقاً أن تكون زوجتي في ظنونها على حق، فرحتُ أضرب أسداساً بأخماس، ثم نفضتُ الليل عنّي والتردد، وقمتُ إليها فأقنعتها بأنها في كلّ ظنونها على خطأ، وأننا والوطن بألف خير. وحين شعرتُ بأنها صدّقتني قليلاً فقط ، قمتُ وأقنعتها من جديد، حتى كلَّ حيلي واستنفذتُ كلّ ما يُخفيه رجلٌ خائف من الحقيقة … وحين تعبتُ، ارتأيتُ أنها اقتنعتْ، فاطمأنّ بالي وانبسطت.
إلا أن المشكلة التي ظننتُها انتهت، كانت تبتديء للتوّ. فإذا كنتُ أقنعتُ زوجتي بحُكم المَوْنة، فكيف أُقنع زوجات الناس جميعاً، ثم كيف سأُقنع الناس أنفسهم ، وماذا سأفعل بالرأيين العامين المحلّي والدولي، وأين سأُخفي وجهي من جمعيات ترقق العظام و”جاط” الفتّوش والتبّولة والكبّة النيّة”…؟
بعد تفكير جهيد ارتأيتُ التشبّه بالقادة التاريخيين واعتماد أساليب التسويف والمماطلة وتعبئة الفراغ بإقامة المؤتمرات ونشر الاستطلاعات والتصريحات وغاز القدّاحات … حتى انقضاء هذين “الشهرين زمان”.
ومن الحين حتى ذلك الحين لا بدّ أن يموت جحا أو حماره، ومن يدري ، فقد نكون حقاً، والوطن، بألف خير … ونحن آخر من يعلم.