محمود بري | كاتب وباحث لبناني
لعل أكثر ما ينطبق على حالة الحيرة و”الحيص-بيص” التي تغرق فيها اسرائيل بعد الهجوم الإنتقامي الإيراني، هو ذلك المثل الشعبي اللبناني القائل بلسان العامة عن جائع أمامه بعض الخبز: “صحيح ما تقسم ومقسوم ما تاكل… وكول حتى تشبع”.
فاليمين الإسرائيلي وأنصار نتنياهو يطالبون بانتقام قوي ضد إيران. و السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، “مايكل أورين” إخترع تعبير “الردّ بذكاء”، من دون ان يأخذ في الاعتبار القاعدة الشائعة التي تُفيد بأن الحقد يأكل الذكاء. لكن صحيفة “وول ستريت جورنال” بدت أبعد نظراً حين نشرت أن على إسرائيل أن توازن بين حاجتها الحيوية إلى الحفاظ على فرصتها النادرة بتشكيل تحالف دولي ضد إيران من خلال الشراكة الإستراتيجية مع الغرب، والإنصراف إلى اللهاث خلف أهازيج الردع الشعبوية… لا سيما وأن هذا التحالف بالذات هو ما اتاح لها مواجهة الهجوم في المقام الأول، وليس قوة ردعها المتهالكة.
كل هذا بينما كان الرئيس الأميركي جو بايدن يبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن عليه “أن يكتفي بالنصر الذي تحقق في فشل الهجوم الإيراني”، مؤكداً أن “الولايات المتحدة لن تكون جزءاً من هجوم محتمل على إيران”، الأمر الذي فسّره “أورين” بقوله “عندما تنتقل إسرائيل من الدفاع إلى الهجوم المضاد، فإننا سوف ننزف الدعم الأميركي”. والعبرة الأساس المُستفادة من كل ذلك اختصرها الرئيس نبيه بري بالمثل الجنوبي المأثور “زمن الاول تحوّل”.
من الجهة المقابلة جاء الموقف الإيراني بريئاً من كل لبس إذ أعلن الرئيس “رئيسي” أن: “أي تحرّك إسرائيلي ضدّنا ولو كان بسيطاً سيواجه بردّ قوي وحاسم”.
على المستوى الميداني لا تبدو الأوضاع مشجعة لإسرائيل. فالكيان المنهك غارق في مواجهة مجموعة متزايدة الحساسية من المعضلات. فهو يقاتل بالفعل على ثلاث جبهات: في غزة ضد المقاومة الفلسطينية في حرب فشل “بامتياز” في حسمها، وهو ينزف على حدوده الشمالية مع مقاومة “حزب الله” المتصاعدة، فضلا عن مراوحته في وحول قمع الاضطرابات في الضفة الغربية، محاولاً الهروب غير المُجدي إلى رمال رفح، وهو ما يعارضه حلفاؤه المقربون وحتى أتباعهم العرب، وبالتالي فإن سعي الكيان لاستعادة الردع مع إيران، يصبح خارج الموضوع.
من هنا فالضربة الإسرائيلية للردّ على السيل الإيراني وسواعده لن تتسبب بأقل من اندلاع حرب كبرى في المنطقة، وهو ما قاله السفير الروسي لدى إسرائيل “أناتولي فيكتوروف”، وبالتالي فالأغلب أنها لن تتم… يتأكد ذلك من قول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود أولمرت” إن على إسرائيل ألا تنجر إلى حرب تصريحات ثرثارة من النوع المعروف عندنا. فبدون بايدن كان سيبدو كل شيء مختلفاً… إن ليلة الهجوم الإيراني “كانت ليلة الانتصار الكبير للرئيس بايدن الذي أحدث الفرق الكبير”.