كتب محمود بري | بري في رئاسة المجلس..باقٍ..باقٍ

محمود بري | كاتب وباحث لبناني

“الأحاديث الكثيرة عن عدم انتخاب بري لولاية جديدة ليست أكثر من “نفخ للغربال”.

هذا ما يردده نائب كسرواني “عتيق” وصاحب خبرة. برأيه فإن مُعارضي بري لم يستفيقوا بعد من وقع الصدمات المتتالية للانتخابات التي ما زالت أصداؤها تملأ رؤوسهم، وبالتالي فهم، على تنوّعهم، لم يخرجوا بعد من حالة الضياع ليتخذوا الموقف الثابت الذي يمكنهم وغيرهم البناء عليه، لا سيما وأن هؤلاء المعارضين ليسوا كتلة واحدة ولن يكونوا، مهما تفاقمت متناذرات المال والحظ والوعود. وبالتالي فالمراهنين على إمكانية نقل مفاجآت صناديق الاقتراع إلى داخل المجلس النيابي، وفرض أمر واقع على انتخابات رئاسته، إنما يراهنون على افتراض يحبّذونه، لا أكثر، ولا شيء محسوماً من ذلك حتى الآن.

لعل أحد الأخطاء التي يرتكبها هذا الفريق، وفي طليعته القوات اللبنانية، أنه يبني للآتي من الأحداث في المستقبل القريب، مُعتمداً حسابات الأمس ومُجريات الأمور والاستحقاقات السابقة، من دون أن ياخذ بالاعتبار أن ما قبل انتخابات 2022  سيكون بالضرورة غير ما بعدها، بعدما انقلبت الموازين وتغيّرت مراكز القوة، وتحديداً قوّته هو كفريق مناهض للأكثرية التي حكمت طيلة مرحلة ما قبل الانتخابات.

لكن… وقبل المطالبة بصبّ بعض الماء البارد على الرؤوس، نتساءل يطفو السؤال : هل إن معارضي  وصول بري إلى رئاسة المجلس، سوف تؤتي مواسمهم أُكُلُها بمجرد إعلانها والإكثار من تكرارها على المنابر والشاشات؟

وهل أن رفضهم وصوله أو انتخابه سيعمل على ظهور نائب آخر، شيعي كما يقتضي الميثاق، ويتقدّم للترشح، وبالتالي يفوز… وتنتهي المشكلة (مشكلتهم)؟

بل… هل يكفي طرح اسم النائب اللواء جميل السيد كمنافس للرئيس بري على المنصب، لكي يصبح هو  الوصفة الناجعة، بينما الرجل نفسه الأعقل من أن يُقدم على الترشح في هذا الوضع، لم يطرح هذا الاحتمال لا في الماضي ولا بعد فوزه حديثاً، ولم يعلن خروجه من حقل جاذبية “حزب الله”؟

وإلى ذلك، فهل جاءت الانتخابات الأخيرة بايّ نائب من حصة الشيعة “معارض” لبري، كي يمكن دفعه إلى واجهة الترشح والمنافسة؟

ثم…هل صدّق نفسه ذلك “الذكي” الذي لم ينجح في استفزاز أحد عندما تحدث عن عدم إلزامية انتخاب شيعي لرئاسة المجلس النيابي؟

ومن الجهة الأخرى… هل هناك أيّ جادٍ حصيف يُراهن حقاً على وقوف التيار الوطني الحرّ ضد بري في انتخابات رئاسة المجلس، مُلغياً العلاقة الوثيقة التي تربط الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله، وهو الحليف “السيامي” غير القابل للانفصال، عن الرئيس بري…؟

التساؤلات بهذا الأتجاه لا تنتهي… إلا أن هذا التهويل كله الذي تزخر به وسائل طدَبِّ الصوت” ــ نسميها وسائل التواصل الاجتماعي ــ ليس سوى متابعة عشوائية غير مجدية لما “تمنّاه” المساعد السابق  لوزير الخارجية الأميركي ​ديفيد هيل،​ حين “تنبأ” على طريقة ليلى عبد اللطيف “إن ما ينتظر لبنان في الأيام المقبلة هو حالة من الشلل التام…”.

صحيح أن تحجيم بري هو بالمعنى السياسي ضربة مباشرة لحزب الله، ما يسعى الأميركي لتحقيقه، إلا

أن  جملة المكاسب التي حققها الطرف المعارض لسياسة بري، لم تكن كافية لتمكين هذه المعارضة من تكريس الشلل والإمساك بناصية السيطرة على مآلات المشهد السياسي في البلد. وها هي كتلة الرئيس بري تعلن ترشيحها له للمنصب.

،بشيء من الواقعية يمكن القول إن لا حاجة لأن نعرف بالتفصيل آلية ما يمكن أن يحصل من الآن وحتى ما بعد انقضاء المهلة التي يعطيها الدستور لرئيس السن كي يحدد موعد انتخابات رئاسة المجلس.

فبعض الأمور لا تحتاج إلى معرفة مُسبقة بكيفية حصولها، كي تحصل بالفعل، حيث يكون لها منطقها الخاص الذي يمكن أن يختلف مع منطق الفلاسفة الإغريق. إلا أنها تحصل بآلية منطقية.

يبقى القول إنه من سُخرية الأمور أن يتوقع أحدٌ، مهما بلغت به الحماسة، أن تُؤدي مُعارضة الكتائب (على سبيل المثال) إلى الحيلولة دون عودة بري إلى الرئاسة. فبعض الأمور يمكن أن تبدو أجمل من أن يُؤخذ بها كما هي، أو ، في الحالة الراهنة، أكثر صفاقة من أن تكون حقيقية.

 

Exit mobile version