محمود بري | كاتب وباحث لبناني
كان راتبي يبلغ ثلاثة ملايين ل.ل. حين كان سعر صرف الدولار 1500 ل.ل. وكسور.
أما وقد تجاوز سعر صرف الورقة الخضراء الأربعين ألف ل.ل. اليوم، فالمنطقي والعادل أن يكون راتبي: 2000$ تقريباً، أي ما يساوي ثمانين مليون ل.ل. والمبلغ هو حاصل قسمة الثلاثة ملايين ل.ل. على دولار الـ 1500ل.ل. أي ألفي دولار. وبقيمة اليوم فإن الألفي دولار على سعر أربعين ألفاً تساوي ثمانين مليون ل.ل. (أي 8 ومعها سبعة أصفار. نعم…هذا ما ارتكبوه بعملتنا الوطنية).
لذلك فراتب العشرين مليون المقترح يبلغ… وعلى القلم والورقة، ربع الحق الشرعي لموظف بمثل وضعي.
من البديهي أن تُؤخذ هذه االحقيقة بنظر الاعتبار بالنسبة للموظف وللعسكري، لا سيّما وأن المُعطِّل للمراسيم المطلوبة ولدورة الحياة عموماً في البلد، ولانتخاب رئيس أيضاً، (النائب ومعه الوزير ومُشغلّهما)، والمعطل للعدالة (السلطة القضائية والمهيمنون عليها)، يتقاضى واحدهم عشرات الملايين ل.ل. كراتب شهري، من دون تناسي مُتممات رواتب هؤلاء ومختلف التعويضات الأخرى المرئية وغير المرئية التي يستحلبونها من المال العام…! ولا عدل في الموازاة.
إن راتب العشرين مليون المقترح، ليس كثيراً أبداً، والأهم أنه ليس مُنصفاً أيضاً، على الرغم من كل شيء. ومن غير العادل أن تجري الأمور بالطريقة الشاذة الراهنة. فالموظف والعسكري يستحقان أن ينالا حقّهما البديهي، خصوصاً وأنهما، الموظف والعسكري، هما من يُسيّرا أمور الدولة في مختلف دوائرها، ويحميان كياناتها المختلفة، في حين أن المذكورين الآخرين…ومعهم المسمون بالزعماء… يكاد يقتصر أداءهم الوظيفي على ضرب الكّمّ والتعطيل.
بالإضافة إلى ما سبق فليست حقوق الموظف والعسكري هي من “يكسر” المالية العامة كما يدأب الظالم على تصويره وإشاعته وتسويقه، بل ما يكسرها فعلياً وعملياً هو السلب والنهب “الرسميين” ويُدرجونه بتسمية مُخففة تحت يافطة ما يسمونه “الهدر”؛ والتعبير بالتحديد هو من ابتكار المُحتالين المُرتكبين أنفسهم الذين يصورون الأمورعلى عكس واقعها بهدف تبرئة أنفسهم من الجريمة المتمادية االتي يرتكبونها.
إنما للإنصاف والحق، ولأنني لا أتعمد الأذية العامة من دون تمييز، أقول إنه ينبغي أن من بين صفوف أرهاط كبار الرسميين من نواب وقُضاة ومسؤولين… ومن زعماء أيضاً، من هو خارج دائرة الاتهام، وهو لا يُنكر هذه الحقائق بل يعترف بها، ومنهم كذلك من يعمل على الأخذ بناصيتها ومناصرتها بدافع من الضمير ومن النزاهة.
أما عجز هؤلاء (القلّة) عن إحقاق الحق، فهو لا يكفي كي يقلب الحقيقة إلى وهم.
المعنى أن الشيطان ليس جميعهم. أما المشكلة فهي أن الشيطان بينهم معروف وموصوف وواضح ولا خلاف في الرأي حوله.
أما “الآدمي” فلا أعرفه، وربما لا يعرفه أحد.