محمود بري | كاتب وباحث لبناني
طالما كلام جعجع التقسيمي غير جدّي، كما رأى الرئيس بري، فهو بالضرورة غير خطير… اللهم إلا من حيث فضحه الميول التقسيمة للقوات اللبنانية.
الواقع أن القوات لطالما عبّرت عن هكذا ميول ونوايا، سواء بحديثها المبالغ فيه عن “المناطق التي لا يدفع أهلها فواتير الكهرباء”، وهذا حديث خرافة كما هو معلوم، ثم مؤخراً من جهة مزاعم “الأمن الذاتي” التي تتهم بها “حزب الله” تحديداً، والذي جريمته هي اهتمامه بأمن المناطق التي يسهر على أمنها بالجهد والتعب، يداً بيد وبتنسيق كامل مع قوات الأمن الرسمية من جيش وسواه من التشكيلات الأمنية الشرعية… في حين أن الجعاجعة يتجاهلون دورهم الخطير والمكشوف في إنشاء ورعاية مجموعات “جند الرب” في الأشرفية، ذات الصبغة الطائفية الممجوجة، والتي يعملون، كما لا يخفى، لكي تكون البديل العملي على الأرض لكل أجهزة الأمن الرسمية، ما يجعل منها في الحقيقة شكلاً مفضوحاً ومقيتاً من الأدوات التقسيمية المتنكرة بشعار “أمن المجتمع المسيحي”، بينما هي في واقع الأمر، قوة حماية لجدار عزل عنصري في يقين كل مواطن، يحاول القواتيون من خلاله العودة بالمجتمع اللبناني إلى أزمنة الحرب والتقسيم.
إن حرص القوات الشديد في “أدبياتها”على زرع ورعاية بذور “تمايز” تختلقه بين المناطق من مسيحية وإسلامية، ليس في حقيقته عملاً أمنياً حِمائيا للمسيحيين ولا للأشرفية غير المهددة أساساً من الآخرين، بقدر ما هو جهد تقسيمي واضح يجري بناؤه على أسس عنصرية مسمومة. فالأوضاع الاجتماعية البائسة والمتدهورة من قاع إلى قاع، لا تضرب لبنانياً دون آخر بل تطال كل مواطن من دون استثناء، بصرف النظر عن كونه يقيم في الأشرفية أو في حارة حريك أو في كورنيش المزرعة أو في الطريق الجديدة أو في يسوع الملك. فالأزمة الخانقة إلى أبعد الحدود، ليست أزمة مسيحية ولا إسلامية، ولا هي مقتصرة على سكان هذه المنطقة دون سواها، بل هي أزمة تعصر رقاب اللبنانيين جميعاً من دون استثناء… هنا وهناك وهنالك. ولئن كانت تشكيلات “جند الرب” نقطة بداية لإشاعة نمط مريض من أمن مزعوم، فهي لا تتوازى ولا تصحّ مقارنتها مطلقاً مع الرعاية الأمنية الصامتة والمنسّقة ميدانياً مع أجهزة الدولة في ضاحية بيروت الجنوبية مثلاً أو في سواها من المناطق التي يهتم غير القوّات بأمنها. فأمن المجتمع اللبناني لا يمكن أن يكون أمناً مسيحياً أو إسلامياً، بل أمن لبناني يرعى اللبنانيين كافة.
المطلوب فقط بعضٌ من الخوف من الرب…
وهذا يناقض أساساً علّة إنشاء وطبيعة ممارسات “جند الرب”.