محمد منصور |كاتب مصري وباحث فى الشؤون العسكرية.
من المعروف أن إيران تمتلك اكبر ترسانة صواريخ في الشرق الأوسط، تضم آلاف الصواريخ الباليستية، إلى جانب الصواريخ الجوالة وأنواع أخرى من الصواريخ، طورتها اعتماداً على الأنظمة الروسية والصينية والكورية الشمالية والبحوث المحلية. وخضعت أغلبية أنواع الصواريخ الباليستية الإيرانية لعمليات تحديث مكثف خلال الأعوام الأخيرة، عبر تزويدها بحزم توجيه متطورة، بمساعدة نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية، وإدخال تقنيات حديثة للتهديف، مثل تقنيات مركبات إعادة الدخول والرؤوس الحربية المستقلة المتعددة.
في هذا السياق، استمرت عمليات اختبار الصواريخ الباليستية الإيرانية بصورة حثيثة وعلى نحو شبه دوري خلال الفترات الماضية، وهي ظاهرة شبه ثابتة في منظومة الردع العسكري الإيرانية منذ مطلع القرن الحالي، لكن كان الإعلان، في السادس من حزيران/يونيو الماضي، بشأن أول صاروخ باليستي “فرط صوتي” في الترسانة الإيرانية، بمثابة نقلة نوعية تدخل بها طهران نادياً “محدوداً جداً” من الدول التي تمتلك هذه التقنية، وهو ما يفتح أبواباً جديدة أمام القدرات الصاروخية الإيرانية.
الصاروخ الجديد تمت تسميته “فتاح”، وكان لافتاً في تصميمه اشتقاقه من التصاميم الخاصة بعائلة الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، “فاتح”، مع تغيير المحرك والرأس الحربي الخاص به. بحسب البيانات الإيرانية، تبلغ السرعة القصوى لهذا الصاروخ، العامل عبر الوقود الصلب، بين 13 و15 ماخاً، ويبلغ وزنه الإجمالي نحو أربعة أطنان ونصف طن، ويبلغ طوله ما يقرب من 12 متراً.
مواصفات نوعية لصاروخ “فتاح” فرط الصوتي
من النقاط المهمة في هذا الصاروخ، تزويده برأس حربي، تم تضمينه ضمن مركبة إعادة دخول قابلة للمناورة (MaRV)، تصل زنتها الإجمالية إلى 1 طن، وهي تقنية أقل حداثة من تقنية المركبات الانزلاقية فرط الصوتية (HGV)، لكنها تشابهها في آلية العمل، بحيث يتم انفصال مركبة إعادة الدخول عن هيكل الصاروخ في الطبقات الجوية العليا، ثم تقوم المركبة بالمناورة في أثناء اقترابها إلى الهدف بسرعات عالية، ومن زاوية حادة، الأمر الذي يقلل نطاق الكشف الراداري، ووقت رد الفعل للدفاعات الجوية المعادية.
الرأس الحربي الخاص بهذا الصاروخ، والذي، كما سبق ذكره، يتكون من مركبة إعادة دخول قابلة للمناورة، يمتلك زعانف التوجيه ومحركاً يعمل عبر الوقود الصلب، مزوَّداً بفوّهة مرنة، يسمح بتوجيه المركبة والمناورة بها في الطبقات الجوية العليا، وزيادة مدة تحليقها بسرعة الصوت بعد انفصالها عن جسم الصاروخ على ارتفاع 300 كيلومتر فوق سطح الأرض، ثم تتولى جنيحات التوجيه تحديد اتجاه المركبة النهائي بعد دخولها في مدى 100 كيلومتر من الهدف، بسرعة تصل إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت.
إذاً، مما سبق، يمكن فهم أهمية تطوير طهران هذا الصاروخ، ليس فقط بسبب دخولها به عصر الصواريخ فرط الصوتية، لكن أيضاً لأن نجاحها في دمج مركبات إعادة الدخول في عدة أنواع من الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى، يجعل الخطوة التالية بالنسبة إلى إيران هي تطوير المركبات الانزلاقية فرط الصوتية (HGV)، وهي التقنية الأحدث فيما يتعلق بالرؤوس الحربية الخاصة بالصواريخ الباليستية المتطورة، وتتمتع بنسبة دقة أعلى، وقدرة على التحليق على ارتفاعات منخفضة فترات أطول، الأمر الذي يتيح لها تدمير أهداف بحرية عالية القيمة، مثل حاملات الطائرات مثلاً.