محمد صادق الحسيني | كاتب وباحث ايراني
واشنطن تتخبّط وتهرب من حفرة الى حفرة أعمق، في مواجهتها المحتدمة مع موسكو!
وطلب كلّ من فنلندا والسويد الانتماء لحلف الناتو ما هو في الواقع سوى مناورات أميركيّة بائسة سببها الهروب من الواقع المخزي لها في أوكرانيا ومستقبل الأطلسي القاتم هناك.
فالسويد وفنلندا يعتبران عملياً جزءاً من الناتو أصلاً سواء بنوع التسليح أو عبر قنوات التعاون المستمرة والمفتوحة بينهما وبين الناتو منذ سنوات، وهو الذي لديه مقرّان مهمان في كل من ستوكهولم وهلسنكي.
ثم أن الروس كانوا قد أعدّوا سلفاً لمثل هذا الاحتمال حتى قبل العملية الخاصة الجارية حالياً في أوكرانيا، عندما زرعوا مقاطعة كالينينغراد الروسية القريبة من البلطيق بمنظومة صواريخ اسكندر القادرة على ضرب أهداف خصمها على مدى ٥٠٠ كلم، ما يجعل البلدين وقواعد الناتو هناك هدفاً قابلاً للتدمير دون الدخول في عملية مباشرة .
ومع ذلك، فإنّ الروس لن يتقبّلوا مثل هذه الخطوة بسهولة، بل سيعتبرونها خطوة استفزازية إضافية في المواجهة الجارية بينهم وبين الأطلسي، باعتبارها خطوة تخلّ بقواعد التعامل المتفق عليها بين الغرب والشرق منذ عقود، تقوم واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون الآن بالخروج عليها كما يلي:
أولا: فنلندا كانت حتى العام ١٩١٧ جزءاً من الإمبراطورية الروسية ولم تنفك عنها الا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانتصار الثورة البلشفية بقيادة لينين ما فتح بالمجال لإعلان فنلندا دولة مستقلة. وهو الأمر الذي ترتب عليه نوع من التوافق الثنائي بين البلدين تكرّس رسمياً في معاهدة باريس الدولية في العام ١٩٤٧ تعهدت فيها فنلندا بعدم الانضمام لأي تجمع او دولة معادية للاتحاد السوفياتي .
وهي الدولة التي لديها حدود بحرية وبرية طولها أكثر من ١٣٠٠ كم شمالاً وشمال غرب وهو أمر خطير أن تتحوّل فجأة الى معسكر للناتو في حضن روسيا تماماً.
ثانياً: للسويد تاريخ من الحروب مع روسيا عندما كانت مملكة قوية كانت آخرها قبل نحو ٢٠٠ عام، خسرتها المملكة السويدية لصالح روسيا، ما أفرز يومها عقد الصلح بينهما على أن تعلن اوسلو حيادها التام، وهو ما ظلت ملتزمة به منذ ذلك الحين بشكل رسمي…
فما عدا مما بدا حتى تقرّر اليوم الانقلاب على ذلك الاتفاق!؟
اذن هي واشنطن التي تبحث عن مسار تصعيديّ إعلاميّ ظناً منها أنها تستطيع استنزاف موسكو في البلطيق بعد أن خسرت الرهان في البحر الأسود، لعلها في ذلك تضعف جبهة المواجهة بين تحالف الشرق الاقتصادي الكبير بقيادة الصين وبين الغرب الأميركي المتصدّع والذي بدأ يئنّ من تداعيات العملية الروسية الاقتصادية في أوكرانيا، كما تفيد كلّ التقارير، بما فيها ما ورد على لسان الناطق باسم البيت الأبيض أخيراً عندما ألحّ على الكونغرس لعمل أي شيء لإنقاذ مشروع لصندوق الدعم القومي لأوكرانيا والذي لا يملك أكثر من ٢٠٠ مليون دولار من أصل الـ ٤٠ مليار التي وعد بها بايدن خادمه زيلينيسكي…
لكن موسكو رغم كل ما يُشاع عن خطورة الوضع المستجدّ بخصوص هذه الخطوة، قادرة على سحق كلّ الوجود الأطلسي في البلطيق سواء عبر بيلاروسيا المتحالفة معها او عبر التقدم التسليحي الهائل الذي تملكه هناك نذكر على سبيل المثال منها فقط كاسحات الثلوج النووية القادرة على فتح الطريق لأسطول الشمال الروسي باتجاه المحيطين الهادئ والأطلسي.
ايّ انّ موسكو تستطيع أن تردّ الصاع صاعين وربما تفاجئهم من حيث لا يحتسبون بأسلحة لم تعلن عنها بعد…
فالكرملين كما تقول المصادر المتابعة لديه العديد من الأوراق للردّ على المخطط الغربي لمحاصرة روسيا بخطوات حازمة قد تصدم الغرب من جديد..
وطبقاً للمعلومات الواردة من موسكو فإنّ مجلس الأمن الروسي برئاسة بوتين يبحث العواقب السلبيّة لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو على الأمن القومي بإقرار توصيات بوضع «بولندا في المرتبة التالية في مجال نزع النازية بعد أوكرانيا»، ما سيجعل الغرب يتلقى ضربة أقسى هذه المرة من أوكرانيا.
وهنا ربما يمكننا إدراك ما أخذ يردّده الروس كثيراً في الآونة الأخيرة حول خطر نشوب حرب عالمية أو نووية كارثية.
فهل تردّ موسكو في بولنداً رداً أقسى من أوكرانيا وتسكت مدافع الغرب مرة والى الأبدّ ام أننا مقبلون على اندلاع حرب عالميّة ثالثة فعلاً!؟
اليد العليا حتى الآن في المواجهة الروسية الأطلسية هي للروس، وهذا هو ما يدفع بايدن للتخبّط أكثر فأكثر، لكن ذلك لن يطول كثيراً بسبب الضعف البنيويّ لكلّ الآلة العسكرية الأميركية والأطلسية بالمقارنة مع الروسية المتقدمة عليها كثيراً جداً.
العالم يتحوّل نحو مزيد من انحسار القوة الأميركية وتصدّعها، لصالح غلبة تحالف شرقي صاعد.