مبارك بيضون | رئيس تحرير مركز بيروت للأخبار
تمر ذكرى تحرير جنوب لبنان هذه السنة بالتزامن مع تحولات كبرى تشهدها المنطقة، والتي تنعكس بشكل أو بآخر على الداخل اللبناني وعلى الكيان المحتل، فضلًا على المنطقة بأسرها.
فمنذ التحرير قبل 23 عامًا وصولًا الى مناورة الأمس وما بينهما من إنجازات وانتصارات وشهادة ودماء لم يزل خيار المقاومة هو الخيار الأوحد في وجه الكيان العبري، والتي لم تنكفئ يومًا أمام كل التحديات الخارجية والمؤامرات الداخلية.
مناورة الأمس حملت في طياتها ما حملته من قدرات المقاومة على التصدي لأي اعتداءات اسرائيلية على لبنان، وتشير في رمزيتها الى جهوزية المقاومة لتحرير المستوطنات وهدم جدران الرعب التي يحيط بها الإسرائيلي كيانه أمام رجال أشداء، شاهدهم العالم بالأمس، مما يعني في العلم العسكري من الانتقال من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم.
التغيرات في المنطقة من تقارب ايراني سعودي وانفتاح العرب على سورية، وحلحلة الأزمة اليمنية كلها تشكل علامات إنذار لدى دوائر صنع القرارات في الكيان المحتل، وهذا التقارب يشكل ضربة جديدة لمحاولات تطبيع الكيان في حدوده الجغرافية، ومع محيطه العربي، ومشهد القمة يشهد والمؤازرة العربية ولو الشكلية لكل القوى الداعمة لها.
ويشير مصدر مطلع إلى أن “ما حملته قمة الرياض من الدعوة الى العودة الى مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، يعتبر حلًا مؤقتًا للصراع العربي الإسرائيلي، كما أن الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 ينزع فتيل أي تصعيد خطير في المنطقة ويساهم في تبريد الأجواء أمام المد اليميني المتطرف”
ويؤكد المصدر على أن “الكيان الإسرائيلي لن يرتدع عن عدوانيته التي نشأ عليها، ولن يخفف من تسليحه بالنوع والكم، مما يوجب على المقاومات في غزة والضفة والداخل المحتل، إضافة الى لبنان والجولان والعراق واليمن أن يتحدوا و يجهزوا لصد أي عدوان ويساهمون في وضع الإطار الزماني لنهاية الكيان”.
ويلفت المصدر إلى أن الحال العربي الآن مع ما يشكله من تلاحم وانصهار ما هو إلا خطوة في مسار التحرر السياسي من التبعية للغرب، وخطوة في الحرب مع دولة الإحتلال، بالتوازي مع ضغوط قوى المقاومة التي ستجبر قادة الكيان على تقديم تنازل سياسي عاجلًا أم أجلًا، ليكون المنطلق أمام أي مفاوضات تشمل منطقة الشرق الأوسط للتزامن مع الانفراجات في العلاقة بين الدول.
وفي الكفة الأخرى، الفشل الإسرائيلي الداخلي، سيجبر قادة الكيان على الشد الطائفي والعقائدي في محاولة للمحافظة على تراكم الإنجازات منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 والذي وعد اليهود في دولة تجمع شتاتهم، والتي لن يستمر الى حد بعيد أمام الخلافات الإيديولوجية في أصل الكيان، وبين شرائح المجتمع.
ومن المؤكد أن حجم المواجهة تبدل بين الأمس واليوم، ولم تعد اسرائيل قادرة على تحمل مفاعيل كل ما يجري من متغيرات على الساحات المحيطة بها من تحرير لجنوب لبنان والانتصارات في لبنان وغزة على جيش الإحتلال، فضلًا عن المقاومة داخل أراضي 1948 والتي تشل كل القدرات الإسرائيلية الضخمة، ناهيك عن الصراعات الداخلية في الكيان التي تهدد الكيان برمته، وتوسع ساحة الإشتباك لتشمل كل أراضي الكيان المحتل من كريات شمونة إلى ايلات، تؤدي إلى تحسين الوضع الفلسطيني في أي مفاوضات قائمة.
وبين واقعية القوى المقاومة وأحلام الصهاينة بدولة من النيل الى الفرات قد تشتعل المنطقة بحرب لا هوادة فيها، مع تعزيز محور المقاومة لقدراته لتتحول من قوة ردع الى قوة مهاجمة، تخل بتوازن الردع مع الكيان.