مبارك بيضون | رئيس تحرير مركز بيروت للأخبار
لم يزل الكيان الإسرائيلي يتخبط منذ تشكيل بنيامين نتنياهو لحكومته اليمينية المتطرفة، على انتقاض أزمة سياسية عصفت بالكيان واستمرت لأكثر من عامين، في توازن بين القوى السياسية والأحزاب اليمينية واليسارية، و صراع أيديولوجي بين اليمين وصل لحد الانقسام العمودي في المجتمع، وأدى الى تظاهرات وتظاهرات مضادة بسبب قرارات باتت تشكل خطرَا على شكل النظام لا إجابة على سؤال من يحكم؟!ّ
يعود هذا الصراع في أصله إلى صراعات نشأت وترعرعت في مجتمع مركب من عرقيات وثقافات متعددة، يتمخض عنه صراع بين التيار الديني والذين باتوا يعرفون بالتيار اليميني والتيار القومي، وصراع آخر برز بين الشرقيين والغربيين، وآخر بين اليهود والعرب، بجانب مطالبات اليهود الفلاشا بالمساواة مع باقي أفراد المجتمع.
الصراع الأول بين التيارات الدينية والقومية هو في أصل تعريف الكيان هل هو دولة لليهود أم دولة يهودية، واعتبار التيار الديني أن فكرة الصهيونية فكرة علمانية ستشوه صورة اليهودية الأصلية، وتبرير دخولهم الى المعترك السياسي بتهويد الدولة، كما يفعل نتنياهو في هذه المرحلة، أما التيار العلماني فيرى أن المتديين يشكلون عبئا على دولة إسرائيل، كونهم في تزايد مستمر، بالتوازي مع مخصصات لهم من خزينة الدولة، وعدم مشاركتهم في عملية الإنتاج فضلا عن إعفائهم من الخدمة العسكرية.
الصراع الثاني يبرز ببعده الاجتماعي، هو سيطرة اليهود الغربيين اي من يعرفون بـ الأشكناز على مفاصل الحكم والمجتمع، على أنهم مواطنين يهود من الدرجة الأولى، دونًا عن اليهود الآخرين، ومن هذا المنطلق، تبلور عدد من الأحزاب الشرقية والتي يأتي على رأسها حزب ساش، بهدف تحصيل حقوق الشرقيين، الإقتصادية والسياسية، بالتوازي مع تغول الأشكناز في الحفاظ على ما تبقى من نفوذ لهم في الجيش والإعلام والقضاء.
الصراع الثالث يشمل الصراع مع عرب الداخل المحتل، الذين باتوا يشكلون ما نسبته 21% من عدد سكان الكيان، مع مد عربي لهم يصل الى الضفة الغربية وقطاع غزة، وما يشكلوه من خنجر في خاصرة الكيان الرخوة، في أي حرب مقبلة ضد محور المقاومة، وهذا ما ظهر جليًا من تحركات السكان في معركة سيف القدس ، إ1افة إلى إحيائهم ليوم الأرض في مسيرات حاشدة عمت الكيان المحتل.
وعلى ما يبدو أن لقاء المصالح بين حلفاء نتنياهو جعلهم يتفقون على إدخال تعديلات على جوهر النظام القضائي الإسرائيلي، حيث تصبح السلطة التشريعية قادرة على وقف قرارات المحكمة العليا، مما يجعل البرلمان الاسرائيلي صاحب اليد الطولى بوقف الأحكام القضائية، بما فيها تلك المتعلقة والمتوقعة بشأن ارتكابات نتنياهو، وبالتالي يتكشف لنا أن الأزمة أزمة نظام بشكله وبفصل سلطاته والعلاقة بين الحكومة والمعارضة.
في المحصلة، نجد أن أزمة الثمانين سنة تطغى على ما دونها من أحداث في المجتمع الإسرائيلي، ليتحول الى سلوك مجتمعي يشي بما لا تحمد عقباه على صعيدهم الداخلي، مع محاولات نتنياهو لتهدئة الأزمة الداخلية بطرق عديدة ربما تكون مجنونة أو انتحارية، وليس مستبعدًا اللجوء إلى عمليات خارجية لشد عصب الداخل المفكك، تحت شعار “نحن ذاهبون إلى الحرب”