كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
ما حاول رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ان يكسبه في الطيونة، خسره في طريق الجديدة، التي تبعد نحو كيلومتر في المسافة، اذ ان صورته ما زالت مشوهة في «بيئات اسلامية» متنوعة تعيده الى زمن الحرب الاهلية، التي كان احد قادة الميليشيات فيها.
فالوراثة السياسية لـ «تيار المستقبل» تقدم اليها جعجع بشكل مباشر، متكئاً على قرار سعودي بانهاء «الحريرية السياسية»، وقد اعلن سعد الحريري في مؤتمره الصحافي ذلك، فاستخدم عبارات عدم المشاركة في الانتخابات، وتعليق عمل «تيار المستقبل»، والخروج من الحياة السياسية، حيث رأى جعجع بانه في استطاعته ان يجذب الاكثرية السنية اليه من «تيار المستقبل»، طالما لم يعد الخطاب السياسي لـ «القوات» بعيداً عن البيئة السنية بالدعوة الى «لبنان اولا»، والسير بالعروبة التي تحيّد نفسها عن فلسطين وقضيتها، ولا تنظر الى «اسرائيل» كعدو، بل كشريك يمكن التعايش والتطبيع معه.
ويعتبر جعجع ان «القوات اللبنانية» تلتقي استراتيجيا مع بعض الانظمة العربية التي اقامت معاهدة صلح وسلام مع العدو الاسرائيلي، والتي افتتحها الرئيس المصري انور السادات، ووافق مؤسس «القوات اللبنانية» بشير الجميل ان يكون لبنان الدولة الثانية لتوقيع اتفاق صلح مع الكيان الصهيوني، وهذا ما كاد يحصل، بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، وبالتنسيق مع «القوات»، والذي انتج اتفاق 17 ايار الذي اسقطته القوى الوطنية في عهد امين الجميل.
ففي مثل هذا الخطاب يتقدم جعجع نحو الساحة السنية، علّه يكسر الحاجز معها، وينزع صورة اغتيال الرئيس رشيد كرامي، الذي حوكم على هذه الجريمة، وخرج بعقد عام 2005 من مجلس النواب ووقف الحريري في ساحته رافعاً اشارة النصر، فاستفز آل كرامي، ولم يجف دم والده رفيق الحريري بعد والذي جرى استغلاله سياسياً، اذ تقول مصادر سياسية مطلعة ان ما حصل منذ اغتيال الحريري كان انقلاباً على مرحلة الوجود السوري في لبنان، الذي خرج منه بعد شهرين، لتبدأ الادارة الاميركية برئاسة جورج بوش الابن صاحب مشروع «الشرق الاوسط الكبير» تنفيذ القرار 1559 الذي نسقه مع الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك في العام 2004، واقامة حكم جديد، بعد اسقاط النظام الامني اللبناني – السوري المشترك، وزج جناحه اللبناني في السجن، حيث استفاد فريق 14 آذار المدعوم اميركياً من مرحلة التبدل ، وقرر الانقضاض على حزب الله لنزع سلاحه، فواجههم الرئيس نبيه بري بطاولة الحوار في مجلس النواب عام 2006، لكن مستشارة الامن القومي الاميركي كوندوليزا رايس كانت تستعجل حكومة فؤاد السنيورة نزع سلاح المقاومة، فلم يفعل، فحصل العدوان الاسرائيلي عام 2006، وفشل، كما تقول المصادر، التي ترى بأن جعجع عندما يحاول ان يرث «الحريرية السياسية»، فانه بذلك يكون قد ضمن طائفة معه ستكون الى جانبه بمواجهة حزب الله بعد ان استنكف الحريري وأقام ربط نزاع معه، ودخل في تسويات لانه يريد تجنب الحرب الاهلية، حيث يدفع الثمن كما اعلن، اضافة الى عدم تمكنه من الاصلاح.
لذلك، فان الحريري خرج من الحياة السياسية، ويحاول جعجع أن يملاً الفراغ، وهو ينتظر هذه اللحظة السياسية، التي تأخرت سنوات، ان تصبح «الحريرية السياسية» خارج العمل السياسي، اذ هو يعتبر ان الحريري لم يقف الى جانبه صادقاً في انتخابات رئاسة الجمهورية، الا شكلاً، ليختار غريمه السياسي سليمان فرنجية الذي فرض ترشيحه ان يختار ميشال عون، وهو منذ ذلك الوقت ويحفر حفرة للحريري، بكتابة التقارير ضده، وان احتجازه في الرياض عام 2017، هو بسبب تقارير «القوات»، كما جاء في اتهام النائب السابق غطاس خوري لجعجع، اضافة الى مجموعة صقور في 14 اذار، منهم فارس سعيد وغيره.
لقد سعى جعجع لكسب البيئة السنية فانقلبت ضده وذكّرته بماضيه الدموي.