كتب كمال ذبيان | كمال شاتيلا رحيل من زمن “الناصريّة”

كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني

كمال شاتيلا من اوائل “الناصريين”، الذين آمنوا بمشروع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي جذب “الجماهير العربية”، في قراراته بتأميم “قناة السويس” عام 1956، والذي تسبب بعدوان ثلاثي بريطاني ـ فرنسي ـ “اسرائيلي” على مصر، التي كانت شهدت “ثورة الضباط الاحرار” في تموز 1952 التي اطاحت الملكية، واسقطت حكم الملك فاروق، فقفز “البكباشي” عبد الناصر الى موقع السلطة واصبح رئيساً لمصر، ومعه بدأت افكاره وخطبه ومواقفه ودعوته الى الوحدة العربية تتفاعل في العالم العربي، ونشأت “الناصرية” من رحم هذه المسيرة، التي انتجت اول وحدة بين دولتين سوريا ومصر، وسميت بـ “الجمهورية العربية المتحدة”، مما اشعل في العرب روح الوحدة، التي كانت تدعو لها حركات قومية، كل منها وفق مفهومه للقومية، فكان انطون سعاده السبّاق للدعوة الى النهوض القومي في ثلاثينات القرن الماضي واظهر “القومية السورية”، على انها لا تقوم على لغة وعرق ودين، بل ارساها على علم الاجتماع والدورة الاقتصادية، وقال باربع امم هي: الامة السورية، والخليج العربي، والمغرب ووادي النيل، يجمعهم عالم عربي واحد.

كمال شاتيلا الذي غاب جسداً ورحّله الموت، كان في صلب العمل الفكري والسياسي، وقدّم طروحات لتقارب بين من يحمل دعوة لوحدة قومية، اذ تم التسليم بوجود بيئات اربع، وهذا ما حصل مع قيام اتحادات بين دول، هي قائمة فعلياً، فنشأ “مجلس التعاون الخليجي”، و”الاتحاد المغاربي” و”وادي النيل”، وحصلت محاولات لاقامة وحدة في سورية الطبيعية والمشرق العربي والهلال الخصيب، فقام “ميثاق العمل القومي” بين سوريا والعراق، اللذين يحكمهما حزب البعث في عام 1978.

هذا العرض في وقت نودع قومياً عربيا ناصرياً، من اجل ايقاظ الشعور القومي، واسقاط مشاريع لما يسمى “الشرق الاوسط الكبير او الجديد”، والقصد منه ان تكون “اسرائيل” في قلبه، تمسك به، وفق خطط اعدها الصهاينة وتحدث عنها شيمون بيريز ولاقاه “المحافظون الجدد” في الادارة الاميركية.

“فالناصرية” نالت عزها في زمن الرئيس عبد الناصر، وبدأ افولها مع وفاته، واثر نكسة حزيران 1967، وسببت انتكاسة للرئيس المصري الذي استقال، لكن عاد عن الاستقالة، وقرر بناء الجندي المصري ورفع شعار ما “اُخذ بالقوة لا يستعاد الا بالقوة”، ورفعت في قمة الخرطوم التي حضرها عبد الناصر لاءات ثلاث: لا للاعتراف ولا للصلح ولا للسلام مع العدو الصهيوني، لكن الموت عاجله في ايلول 1970، لكن ما زرعه ظهر في حرب تشرين 1973، التي اعادت الثقة بالجندي المصري والسوري، حيث تشارك الجيشان المصري والسوري في الحرب.

ان كمال شاتيلا ابن هذا “الفكر الناصري” الذي لقي له “بيئة شعبية حاضنة” توّاقة للوحدة العربية لا سيما في داخل “الطائفة السنية”، الا ان شاتيلا الذي اسس “اتحاد قوى الشعب العامل”، حاول العبور نحو طوائف ومناطق، وتمكّن تنظيمه من ان يتوغل في صفوف الشباب خارج الطائفية، وتحديداً في الجامعات، ففاز نجاح واكيم عن المقعد النيابي الاورثوذكسي، بوجه نسيم مجدلاني الذي كان على لائحة صائب سلام، في الانتخابات النيابية عام 1972، حيث شكل هذا الفوز نموذجاً، مع صعود القوى الوطنية والقومية واليسارية، فاحتل شاتيلا موقعاً متقدما في العمل الوطني والقومي، وكان من اركانه.

فاسس “الجبهة القومية” التي تمايزت عن “الحركة الوطنية” التي وضعت اوراقها في سلة ياسر عرفات (أبو عمار) وحركى “فتح”، وابتعدت عن سوريا، التي تقرّب منها شاتيلا، واستقبله الرئيس السوري حافظ الاسد، لكنه لم يستمر على صداقته للقيادة السورية، وتسبب خلافه معها بخروجه من لبنان، الذي عاد اليه بعد عودة العلاقة مع سوريا، فعاش في باريس، ونسج علاقات جيدة مع السعودية، وترأس “المؤتمر الشعبي اللبناني”، وانشأ مؤسسات في مجال الفكر والاعلام، فكانت مجلة “الموقف” واذاعة “صوت بيروت”، ودعم هيئات مناطقية، “كهيئة ابناء العرقوب”، اضافة الى مشاركته في تأسيس “مؤتمر القومي العربي”، وحضوره مؤتمرات عربية ودولية، فصدرت له مؤلفات ترتبط “بالفكر الناصري” وتلازمه مع “القومية العربية”.

Exit mobile version