يزداد القلق من تدهور امني واسع في لبنان، يتخطى العمليات الاجرامية، من سرقة وسلب وخطف وترويج مخدرات وتعاطيها، الى تأجيج النزاعات السياسية، التي ترتفع وتيرتها، مع انسداد الافق في انتخاب رئيس للجمهورية، وباعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية، بدءاً من تشكيل حكومة يقع على عاتقها تنفيذ اصلاحات حالية واقتصادية تأخرت لسنوات، مما زاد من تفاقم الازمة الاجتماعية الى حد، ان الاوضاع المعيشية للمواطنين تزداد سوءًا، ولا يوجد قطاع صحي وتربوي ومصرفي وخدماتي الا ويعاني من ازمات، اضافة الى شلل المؤسسات والمصالح والادارات العامة والقضاء، وتطالب جميعها، بتعديل في الرواتب والاجور، مع تدهور سعر صرف الليرة، واستمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، الذي لن يقف عند سقف ما، لانه لا توجد اجراءات من اي جهة، سواء مصرف لبنان او الحكومة وغيرهما، للجم هذا الارتفاع الذي سيستمر دون بدء ورشة الاصلاح، واولها كشف اين ذهبت اموال المودعين، ومن كبّد اللبنانيين هذه الخسائر، حيث لم يتم الاتفاق على الرقم الحقيقي لها بعد، والذي يتراوح بين 69 مليار او 81 مليار دولار، وكيف واين صُرف هذا المبلغ المتراكم منذ سنوات، حيث الغياب التام لهيئات الرقابة الادارية والقضائية والسياسية والمالية.
امام كل هذه الازمات الكارثية المهددة بالتفاقم، اذا ما استمر الشغور الرئاسي شهرين او ثلاثة مقبلة، وتواصل انهيار الليرة اللبنانية، فان الشارع لن يكون بمنأى عن التحركات الشعبية، التي منها سيكون عفوياً، وبعضها موجهاً لاهداف سياسية محلية، وبعضها لخدمة مشاريع خارجية، حيث يخضع ذلك لقرار دولي او اقليمي، متى تحين الفرصة، لاستغلال الجوع والفقر، وفق ما تؤكد مصادر سياسية، وترى ان الظروف الداخلية مهيأة للاحتجاج، لكن الخوف من ان تتكرر تجارب سابقة فشلت وهي بدأت في العام 2011، تزامناً مع ظهور ما سُمي «الربيع العربي» وتحريك ساحات عربية بشعار «اسقاط النظام»، حيث انتهى الحراك في لبنان الى لا شيء، بالرغم من انه كان السبّاق في ادخاله بـ «الفوضى الخلاقة» وفق المشروع الاميركي لادارة الرئيس جورج بوش الابن، الذي حرّك في العالم ما سمي «الثورات الملونة» التي بدأت في اوكرانيا عام 2004، «بالثورة البرتقالية»، ولحقها لبنان بـ «ثورة الارز» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث دخل لبنان بما يشبه «الحرب الاهلية الباردة»، التي توقفت في العام 2008، بعد تسوية في قطر شاركت فيها كل الكتل النيابية، وانتهى اللقاء «باتفاق الدوحة» الذي انتخب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وحصلت المصالحة السورية ـ السعودية عام 2009، واستقر لبنان عامين، الى ان بدأ «الربيع العربي» الذي شمل سوريا ولم يتوسع الى لبنان، الا في العام 2015، وكان عنوانه «اغلاق مطمر الناعمة»، الذي حصل في زمن الشغور الرئاسي، وتوقف الحراك مع انتخاب العماد ميشال عون «بتسوية رئاسية» قبل شهرين من نهاية عام 2016، لينفجر الوضع بعد ثلاث سنوات في 17 تشرين الاول 2019، بشعارات متناقضة، لما سُمي «ثورة» بلا قيادة وبرنامج، وتداخلت فيها عوامل داخلية واقليمية ودولية، ليبدأ معها التدهور، الذي لا يبدو انه سيتوقف.
في ظل تراكم الازمات الداخلية، فان الاوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات في لبنان، اذ ان مراجع امنية، لا تخفي حذرها من ان تتفلت الاوضاع الامنية، بعنوان اجتماعي، حيث تشير المصادر، الى ان مرحلة ما قبل اندلاع الحرب الاهلية في عام 1975، شهدت تحركات احتجاجية طالبية وعمالية ونقابية، وحصلت صدامات بين اطراف لبنانية، كما مع الجيش اللبناني، ودخل الوجود الفلسطيني المسلح على الازمة الداخلية واستفاد منها، فاندمج وجود السلاح الفلسطيني بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وتلاقت مع مصالح خارجية، اوصلت لبنان الى الفتنة، التي لجمها اتفاق الطائف، ولم يقتلع اسبابها، لانه لم يعمل على تطبيق ما ورد فيه، لعدم تكرارها.
فلبنان وبعد ما يقارب نصف قرن على اشتعال الحرب الاهلية، التي توسعت وتشعبت، ودخلت عليها عوامل خارجية، اسرائيلية واميركية وسورية وفلسطينية وعربية، مما ادى الى اطالتها مع هدنات موضعية، فان المشهد قد يتكرر، حيث تعيش المراجع الرسمية والحزبية والسياسية، في اجواء تكرار سيناريو الحرب، وحصول احداث امنية، قد تكون الاغتيالات منها في ظل انشغال العالم بحروبه، كما في ازماته المالية والاقتصادية، مثل الطاقة والغذاء، وان لبنان اذا لم يسارع الى لبننة حلول لازماته، ومنها انتخاب رئيس للجمهورية، عبر التوافق، لانه من خارجه، فان كل فريق متمترس عند شروطه او مواصفاته للرئيس، وهو ما يؤخر الانتخاب، الذي لا يقدم الحلول، بل يترك فسحة امل، لان الازمة ليست بالعملية الانتخابية فقط، ولا بالرئيس الذي قد يكون ازمة جديدة، لان الازمات كثيراً ما تكون بسبب مشاريع رئيس الجمهورية، او فشل الحكومات، او تعطيل مجلس النواب لدوره، او تغلغل الفساد، والتسبب بازمات اجتماعية واقتصادية، اضافة الى الدستورية والسياسية.
فالكارثة مستمرة، والدول منكفئة عن مساعدة لبنان سياسياً كما مالياً، والمجتمع معبأ طائفياً، اذ يتحرك كرد فعل على برنامج تلفزيوني، ولا ينتفض لحقوقه ولا لكرامته الانسانية.