كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
بين فترة واخرى يُطرح موضوع عدد اللبنانيين الموزعين على الطوائف والمذاهب، وهو مرتبط بتركيبة النظام السياسي الطائفي، وتوزيع السلطات، وتنظيم الصلاحيات الدستورية، فكان اول احصاء اجري في العام 1932، زمن الانتداب الفرنسي، وبعد ان وُضع اول دستور للبنان في العام 1926، اذ ظهر خلاف حول تكوين السلطة، ولمن الاغلبية الطائفية، او الاكثرية العددية بين المسلمين والمسيحيين، ليتبين ان المسيحيين بكل مذاهبهم يشكلون 52% من اللبنانيين وان المسلمين بمذاهبهم ايضاً يشكلون 48%، واعتمدت قاعدة 6 للمسيحيين في توزيع المقاعد النيابية والوظيفية و5 للمسلمين، حيث أدت الديموغرافيا دوراً في توزيع المراكز والمناصب في السلطة.
والتطور السكاني مرّ بمراحل وفق الاحصاءات الرسمية وغير الرسمية، اذ اظهر احصاء عام 1932 ان المسيحيين كان عددهم 402.363 مواطناً موزعين على الشكل الآتي: موارنة (226.378 بنسبة 28.8%) اورثوذكس (76.522 بنسبة 9.7%) كاثوليك (46.000 بنسبة 5.9%)، آخرون ومعظمهم ارمن (53.463 بنسبة 6.8%)، وبلغ عدد المسلمين 338.180 مواطناً توزعوا عل المذاهب الآتية السنة (175.925 بنسبة 22.4%)، الشيعة (154.208 بنسبة 19.6%)، الدروز (53.047 بنسبة 6.8%)، فشكل المسيحيون في ذلك الاحصاء 51.2% من اللبنانيين المقيمين والمسلمون 48.8% منهم، فكان عدد اللبنانيين 785.542 نسمة.
ويبلغ عدد اللبنانيين المقيمين، دون الجنسيات الاخرى 3.285.024، واللبنانيين المغتربين والمتحدرين من اصل لبناني يبلغ عددهم 8.624.419، ووفق هذه الارقام اصبح المسلمون يشكلون 68% والمسيحيون 32%، وهو الاحصاء غير الرسمي ايضاً الذي جرى في العام 2011، حيث تسربت معلومات عن ان نسبة المسيحيين بلغت حوالى 19%، ونسب ذلك الى تقرير وصل الى بكركي(ما نفته بكركي لاحقاً)، وتلقى نسخة منه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي اقر بتسلمه هذا الاحصاء وتوقف عنده، وهذا ما ترك ردود فعل حول اظهار الارقام في هذه المرحلة، التي فيها شغور رئاسي، وشلل حكومي في هذه المرحلة، التي فيها شغور رئاسي، وشلل حكومي وتعطل اعمال مجلس النواب في انتخاب رئيس الجمهورية او تشريع الضرورة، وقد تم تصنيف لبنان دولة فاشلة، اذ يتزامن طرح نسب توزيع السكان طائفياً، مع ما اعلنته نائبة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى بربارا ليف، عن ان لبنان مقبل على فوضى وتفكك، واعادة هيكلة له، او تركيبه من جديد سياسياً وطائفياً، وتتلاقى مع طرحها فرنسا التي اعترف مسؤولون فيها، بان لبنان الذي انشأته على طريق الاندثار بعد قرن على قيامه.
هذه الاحصاءات غير الرسمية، تشغل بكركي خصوصاً والمسيحيون عموماً، والموارنة منهم تحديداً، الذين يظن بعضهم ان لبنان انشىء لهم، والامتيازات في السلطة كانت لهم، وان اي مس، بانشاء الكيان، واعتبار المسيحيين فيه اقلية عددية، فان البحث سيكون حول التركيبة اللبنانية، واسقاط صيغة “العيش المشترك” منها، الى قيام “فدرالية” فيه، وهذا ما ربطته مصادر متابعة لهذا الملف، مع تسريب ارقام ليست دقيقة حول ان المسيحيين وصلوا الى 19%، وهو رقم غير صحيح وما زالوا يشكلون وفق آخر احصاء اجرته “الدولية للمعلومات” 34.4% والمسلمون 65.9% من عدد السكان الذين وصلوا الى حوالى 3.967.502.
من هنا، فان طرح احصاءات لعدد الطوائف والمذاهب، يرتبط دائماً بازمات سياسية، وطروحات يرى فيها كل فريق تحصينا لمواقفه وتحصيلا لمطالبة بما يخص هذه الطائفة او تلك، فاعلن نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ المرحوم محمد مهدي شمس الدين “الديموقراطية العددية” في ثمانينات القرن الماضي، ثم توقف عن طرحها، ليتم التوافق في الطائف على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ورفع الرئيس رفيق الحريري شعار “وقف العد” ليتوزع النواب مناصفة بين 128 عدد اعضاء مجلس النواب، اي 64 مسيحياً و64 مسلماً، مع توزيع النسب بين الطوائف والمذاهب كل حسب نسبة عدده.
فوقف العد، هو اجراء مؤقت في ظرف سياسي، اذ معه ظهرت “الديموقراطية التوافقية”، كما لا شرعية لأي سلطة، يغيب عنها مكون لبناني على اساس طائفي، فارتفعت مطالب الطوائف وحقوقها، وتعطلت المؤسسات بسبب عدم اكتمال “الميثاقية”، وهذا ما هو حاصل في الدعوة لاجتماعات الضرورة في حكومة تصريف الاعمال، او في مجلس النواب بتقديم انتخاب رئيس الجمهورية على التشريع.
وعندما عُرض اقتراح قانون للانتخاب، والذي قدمه “اللقاء الاورثوذكسي” باسمه تحت عنوان ان تنتخب كل طائفة نوابها، تم تذكيره بان المناصفة ستهتز، لان عدد المسيحيين لا يساوي نصف المسلمين.
وهاجس الجغرافيا والديموغرافيا، ما يقلق الطوائف في لبنان، ويتم تعويض العدد الطائفي بالتجنيس، لكن هذا لا يحل ازمة الديموغرافيا، كما بيع الاراضي وتقلص المساحات الجغرافية، لا سيما عند المسيحيين، الذين لا يجد المتطرفون منهم سوى حل “الفدرالية”.