مقالات مختارة

كتب كمال ذبيان | المفتي دريان وقع في فخ ميقاتي والسنيورة… وخسر المرجعيّة بعد تنحّي الحريري

كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني

عندما تضعف او تنسحب او تعزف لاسباب ما، القوى السياسية والحزبية الطائفية من العمل السياسي، تتقدم المرجعيات الروحية في الطوائف والمذاهب، وهذا ما حصل في الطائفة المارونية، عندما نُفي العماد ميشال عون الى فرنسا، ودخل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع السجن لجرائم ارتكبها او نُسبت اليه او لحزبه، فاصبحت بكركي هي المرجع السياسي.

ففي الطائفتين الشيعية والدرزية، فان القوى السياسية والحزبية الاقوى فيهما، فان دور المرجعيات الروحية، يظهر وراء زعماء الطوائف والمذاهب، هذا هو واقع الوضع الدرزي الذي يمسك به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وان مشيخة العقل تتبع له من خلال المجلس المذهبي الدرزي، الذي له اكثرية فيه، وتسير وراء القرار السياسي لجنبلاط، الذي رفض منذ عام 2005 حصول تسوية مع النائب طلال ارسلان حول مشيخة العقل الذي سمّى الشيخ ناصر الدين الغريب شيخاً للعقل، «للفريق اليزبكي»، الذي لم يعد موحداً حول الغريب الذي ما زال ارسلان يتمسك به، ويؤمّن غطاءً مذهبياً له، كما يفعل جنبلاط مع شيخ العقل الذي يزكّيه، وسبق وحصلت عمليات تمرد من مشايخ عقل على مرجعيات سياسية، لاسباب مختلفة، منها ما حصل قبل اكثر من عقدين بين شيخ العقل الراحل بهجت غيث وجنبلاط، اذ تشير مصادر مطلعة على الواقع الدرزي، بان مشيخة العقل، لم تكن موحدة، بل كان هناك دائماً وجود لثلاثة مشايخ عقل، وفق الاتجاهات السياسية في بعض الاحيان، وجرى اتفاق في ستينات القرن الماضي، بين الراحلين كمال جنبلاط ومجيد ارسلان، ان يصدر قانون يوحّد مشيخة العقل في شخص واحد، التي تؤكد بان حق التسمية هو لها، مع دار خلدة، التي تؤكد بان حق التسمية هو لها، لكن جنبلاط لم يلتزم، كما لم تحصل التسوية التي طرحت في الانتخابات الاخيرة لشيخ العقل الذي فاز بالمنصب الشيخ سامي ابو المنى بالتزكية.

والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الذي اسسه الامام السيد موسى الصدر، كمرجعية للطائفة الشيعية، ولم يطمئن له الاقطاع السياسي في الطائفة الشيعية، التي وصفها الامام الصدر من المحرومين في لبنان، فانه ومع اطلالته نهاية ستينيات القرن الماضي في لبنان، تقدم على العائلات السياسية داخل الطائفة الشيعية، التي كانت تمثل الشيعة، وتحوّل الامام الى ممثل قوي للشيعة في لبنان، مع تبني حرمانهم، الذي يمارسه من تولوا المسؤولية باسمهم في الطائفة الشيعية، وهكذا بات الامام الصدر هو المرجع، واتى بالسياسيين الى المجلس الشيعي، الى ان تمت عملية اختفائه، فورث نبيه بري ارث السيد الصدر، بعد غيابه الذي ملأه الرئيس حسين الحسيني لفترة، لتصبح الكلمة الاولى لبري، الذي اصطدم بنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الذي كانت له رؤيته السياسية والوطنية المختلفة عن «حركة امل»، حيث حاول الشيخ شمس الدين الاستقلالية بالقرار، وبعد وفاته تولى الشيخ عبد الامير قبلان رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي، تحت جناح حركة «امل»، الى ان وافته المنية، وتسلم الشيخ علي الخطيب مهام رئاسة المجلس كنائب رئيس له.

لكن المجلس ليس له دور مع وجود تحالف «حركة امل» وحزب الله ، حيث بدأت تتسرب معلومات من سيكون رئيس المجلس مع وجود تباينات بين الثنائي، وفق مصادر مطلعة، التي تشير الى ان المجلس الشيعي، كان دائماً الى جانب «حركة امل» التي اسسها الامام الصدر وانشأ المجلس الشيعي، لكن من كان يترأس المجلس، كان دائماً يبحث عن دور القائد في الطائفة الشيعية، وليس تابعاً، الى مرجعية سياسية.

اما الطائفة السنية، فان دار الفتوى ومجلسها الشرعي الاسلامي الاعلى، فان موقعهما كانا دائماً وراء المرجعيات السياسية، وهذا ما حصل في كل العقود الماضية، وعندما كان يحصل خلاف بين دار الفتوى والمرجعية السياسية السنية، التي تكون في السلطة، يحصل التشرذم، وهذا ما جرى بين الرئيس صائب سلام والمفتي حسن خالد، كما بين المفتي الشيخ محمد رشيد قباني والرئيس فؤاد السنيورة، بالرغم من ان المفتي قباني وقف الى جانبه، وأمّ الصلاة في السراي الكبير الى جانب رئيس الحكومة السنيورة كدعم له بوجه قوى 8 آذار التي كانت تطالبه بالاستقالة في العام 2007، لكن الخلاف وقع بينهما، حول التمديد للشيخ قباني، وعلى مسألة الاوقاف، اضافة الى الدور الذي كان يحاول المفتي قباني ان يلعبه سياسيا.

وتقول مصادر متابعة لتلك المرحلة، ان مفتي الجمهورية كان دائما وراء المرجعية السياسية، وضعف دوره الوطني في كثير من الاحيان، وكان ينظر اليه على انه قريب من رئيس الحكومة الذي يرى فيه احد موظفي رئاسة الحكومة ، كون المؤسسات الدينية الاسلامية تابعة لها.

وبعد استقالة او اعتزال الرئيس سعد الحريري السياسة ولو تعليقا، فان الانظار اتجهت الى دار الفتوى، لتأخذ هذا الدور، فلم تفعل، اذ ان الرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة لا يريدان للمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان ان يلعب هذا الدور، الذي يناط بـ  «نادي رؤساء الحكومات السابقين»، وفق مصادر سياسية متابعة، وقد وقع المفتي دريان في فخهما، فزار السراي والتقى رئيس الحكومة، وذهبا معا للصلاة، حيث لاقاهما السنيورة، وبذلك يكون مفتي الجمهورية قد نزع عنه صفة المرجعية، مع الفراغ الذي سيحدثه عدم مشاركة الحريري و «تيار المستقبل» في الانتخابات، التي رفض دريان مقاطعتها، بعد زيارته ميقاتي الذي تلقى رسائل دولية، بان هذا الاستحقاق الدستوري يجب ان يحصل، واعلن حصوله.

وخسر مفتي الجمهورية، امام الرئيسين ميقاتي والسنيورة، اللذين يطمحان كل من موقعه الى شطب «الحريرية السياسية»، اذ انزاح من طريقهما المرشح الدائم لرئاسة الحكومة سعد الحريري، وانهما يطمحان ان يكونا المرجعيتين السنيتين، وفي كنفهما دار الفتوى، بعد ان اعلن الرئيس تمام سلام عزوفه عن الترشح، حيث فرغت الساحة لعضوين من «نادي رؤساء الحكومة»، تقول مصادر سياسية، التي اشارت الى ان هناك من نصح المفتي دريان، ان يفرمل تحركه باتجاه ميقاتي والسنيورة، وان لا يندفع باتجاههما، وان يمارس دوره المرجعي للمسلمين السنّة جميعهم، ولا يترك لاحد ان يستولي عليه، او يضع يده على قرارهم، الذي هو شورى، وكان على مفتي الجمهورية ان يبقى في الدار ويأتي اليه السياسيون، بمن فيهم ميقاتي والسنيورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى