كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
● بات محسوماً أن السعودية عزلت « الحريرية السياسية » عن العمل السياسي و منعت « تيار المستقبل » من الترشح للانتخابات النيابية بالطلب من رئيسه سعد الحريري أن يعلن ذلك في مؤتمر صحفي عقده في بيت الوسط الذي عاد إليه من مقره الجديد في أبو ظبي ؛ حيث يتابع أعماله الخاصة الاستثمارية ، ليعيد تكوين ثروته التي تبددت في المملكة ، و تمت تصفية مؤسساته ، و بيعها في المزاد العلني لسداد الديون على شركة « أوجيه » و مؤسساته الأخرى .
● و منذ إعلان الحريري تعليق العمل في السياسة ؛ فإن من كانوا ملتزمين في « تيار المستقبل » أو أصدقاء و مناصرين له ، أو آخرين في « كتلة المستقبل النيابية » لبّوا نداء الحريري بعدم الترشح و الإنكفاء عن العمل السياسي إلا البعض و على رأسهم فؤاد السنيورة، الذي رأى الفرصة مناسبة ليقدم نفسه البدل عن الضائع « الحريرية السياسية » ؛ فأعلن رفضه مقاطعة الانتخابات ، و عدم ترك الساحة السنية التي سيصيبها الفراغ بانسحاب « تيار المستقبل » من المشاركة في الانتخابات ، و هو الأكثر حضوراً في الطائفة السنية التي يتم الاستيلاء على مقاعدها من افراد « مغمورين و طارئين » وفق ما أكده السنيورة الذي جوبه برفض من « تيار المستقبل » الذي شن حملة عليه ؛ لتبدأ معركة بين المندفعين لوراثة « الحريرية السياسية » ؛ لاسيما من الورثة « البيولوجيين » كبهاء الحريري النجل الأكبر للرئيس رفيق الحريري الذي يعتبر أن « الوراثة السياسية » خُطفت منه لصالح شقيقه سعد ؛ و بتدبير و قرار سعودي بعد أن فقد سعد الدعم السعودي ؛ فإنه هو مَن يحق له أن يرث و يتابع مسيرة والده رفيق الحريري ، فقفز إلى الواجهة بعد أن احتجاز شقيقه في الرياض قبل أربع سنوات ، و ليقول « أنا هنا » ؛ لكن الظروف لم تأت لصالحه لا سياسياً و لا عائلياً ، فلجأ إلى تنظيم ما أسماه « سوا لبنان » قبل أكثر من عام ، ليؤكد على حضوره السياسي و الشعبي ؛ لكنه لم يوفق بعد وفق مصادر متابعة لتحركه الداعم لما يسمى « المجتمع المدني » أو « الانتفاضة الشعبية » في مواجهة السلطة بتعدد انتماءاتها .
● فالسنيورة لم يلتفت إلى هجوم « تيار المستقبل » عليه ، و تمكن من أن يشكل لائحة في الدائرة الثانية في بيروت برئاسة الوزير السابق خالد قباني من بين ١١ لائحة تتنافس على ١١ مقعداً و هو ما لم يهضمه « تيار المستقبل » الذي واجه حالات أخرى في طرابلس مع نائب رئيس التيار مصطفى علوش الذي استقال منه ، أو في عكار التي قرر ثلاثة نواب من « كتلة المستقبل » النيابية أن يخوضوا الانتخابات و هم : وليد البعريني ، هادي حبيش، و محمد سليمان ، و ليسوا منتمين إلى « تيار المستقبل » فلم يستقيلوا و شكّلوا لائحة في الدائرة الأولى بالشمال .
● وحدها لائحة السنيورة واجهت هجوماً عليها من « تيار المستقبل » و تتوجس من أنه بعمله هذا يقدم نفسه أنه هو من يشكل « الحالة السنية » التي تقف بوجه حزب الله ؛ و قد مارس ذلك أثناء ترؤسه لحكومتين الأولى في العام ٢٠٠٥ و الثانية في العام ٢٠٠٨ و هو من سارع إلى قيام المحكمة الدولية المعنية باغتيال الرئيس رفيق الحريري و أقر تمويلها ؛ كما تصدى لحزب الله في اكثر من موضوع ، و لم يكترث لاستقالة وزرائه مع « حركة أمل » من حكومته الأولى التي استمرت دون التفات لوجود رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الذي تجاهله السنيورة و كان على صدام دائم معه ؛ و هذا ما لم يفعله الرئيس سعد الحريري الذي قدم تنازلات و عقد تسويات و صفقات تقول أوساط السنيورة ؛ فأوصل البلد إلى أن يتحكم به حزب الله الذي لا يمكن أن يُعطى فرصة في الانتخابات ليحجز مقاعد لنواب سنّة له ، و هذا ما شرحه رئيس الحكومة الأسبق لمسؤولين سعوديين ؛ بأن يعود السفير وليد البخاري إلى لبنان مع سفيري الكويت و البحرين ، كي لا تستمر إيران في التغلغل و الهيمنة على لبنان في حزب الله .
● و كلام السنيورة و غيره من قوى سياسية تجاوبت معه الرياض التي وصلها ؛ فقررت عودة سفيرها ببيان صدر عن وزارة الخارجية مبررة ذلك باستجابة الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي لما ورد في المذكرة الخليجية التي نقلها إلى بيروت وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح ؛ حيث باشر البخاري و زميله الكويتي عبد العال القناعي اتصالاتهما و لقاءاتهما و افطاراتهما ؛ ما يؤكد وفق مصادر ديبلوماسية بأن السعودية قررت عدم إخلاء الساحة في لبنان ، و التي كانت أعلنت بأنها لن تقدم مساعدات له إلا ما هو متعلق بالإغاثة و الصحة و التربية وفقاً لتفاهم فرنسي – سعودي ؛ كما أن الادارتين الأميركية و الفرنسية لعبتا دوراً أساسياً في أن تعزز السعودية و حلفاؤها الخليجيون حضورهم و نشاطهم ؛ حيث كان لافتاً حضور السفيرتين الأميركية دوروتي شيا و الفرنسية وآن غريو في إفطار السفير السعودي ؛ و قد سبق لهما أن زارا الرياض قبل حوالي العام طالبين مساعدة المملكة في فتح الطريق أمام سعد الحريري ليشكل الحكومة ؛ لكنهما لم ينجحا في مهمتهما وفق مصادر مطلعة ؛ ليأتي نجيب ميقاتي من بعده رئيساً للحكومة و يساعده الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لتخطي « الفيتو السعودي » عليه ؛ حيث ظهرت مرونة سعودية في هذا الإتجاه ، و التي ستفتح أبوابها لميقاتي قريباً وفق اشارات متعددة .
● و في ظل هذا المشهد يبدو سعد الحريري خارجه بقرار من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي و منذ استقالة الحريري من الرياض في ٤ تشرين الثاني ٢٠١٧ تبلغ الرسالة أنه لم يعد من « أصدقاء المملكة » وفق تأكيد مَن يتواصلون مع جهات فاعلة في موقع القرار الذي وُضع موضع التنفيذ ؛ و الانتخابات النيابية أبرز نتائجه كما إخراجه من رئاسة الحكومة، و هذه رسائل سلبية ، تلقاها « تيار المستقبل » بكثير من الغضب الذي تم التعبير عنه في مواقف سلبية و حركات احتجاجية ضد المملكة و عاهلها سلمان بن عبد العزيز الذي شوهت صوره « بيت الوسط » كما في الطريق الجديدة ؛ و كانت تعبيراً عما تلقاه الحريري من « لكمات » سعودية سياسياً و مالياً ، و إخراجه من الرياض ؛ حيث لم يقبل جمهوره ما اعتبره « إساءة له » ، و قد تلقت الجهات المسؤولة في المملكة هذه الممارسات بكثير من الاستياء ، بالرغم من صدور نفي « مستقبلي » أن يكون له علاقة بالموضوع ؛ لكن المسؤولين في الرياض بلغهم أن أفراداً في « تيار المستقبل » و محيط الحريري يتحدثون في أوساطهم عن « التنكيل السياسي السعودي » بالحريري دون أن يذكروا ما أعطته لهم منذ رفيق الحريري ، وكيف فتحت لهم « بيت المال » ، و أوصلتهم إلى أن يصبحوا « بيتاً سياسياً » ؛ إذ وصلت الى الرياض أسماء المحرّضين على السعودية من « جماعة الحريري » و تياره ، و منهم من جنى ثروة أيضاً في المملكة التي دخلها دون « قميص » كما يقول « المثل الشعبي » .
● و ظهر من خلال التواصل السعودي مع السنيورة و اتصالات السفير البخاري به بأنه هو المرضي عنه سياسياً من المملكة ، و أن نظريته عدم ترك الساحة لحزب الله ، هو ما اتفقت معه الرياض على العمل بها ، وفق مصادر مطلعة ؛ و هذا يعني أن لائحة « بيروت تواجه » المدعومة من السنيورة هي الأقرب إلى « العقل السعودي » .