كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
بات معلوما موقف السعودية من انتخابات رئاسة الجمهورية التي هي استحقاق لبناني حيث تم تحميلها الكثير من المعلومات الخاطئة او غير الدقيقة فمن مرشح تسميه هي وان يكون منتميا الى حلفائها حيث جرى التداول بأن النائب ميشال معوض هو مرشح المملكة وتبناه ما يسمى بـ “الفريق السيادي” كما جرى الحديث عن “فيتو” على ترشيح سليمان فرنجيه المسمى من الثنائي “امل” وحزب الله” اضافة الى ان السعودية كانت شريكا في البيان الثلاثي مع اميركا وفرنسا الذي وضع مواصفات لرئيس الجمهورية من ابرزها تطبيق القرارات الدولية المرتبطة بلبنان.
فالمملكة قبل حوالى السنة ليست هي اليوم بعد اتفاقها مع ايران وعودة علاقاتها مع سوريا وقراءتها للمشهد الاقليمي المختلف عن ما كان عليه قبل حوالى اكثر من عشر سنوات اذ اصبحت الرياض في موقع سياسي غير ما هو معتمد سابقا لجهة الانخراط في حروب سواء مباشرة او عبر وكلاء، فهي وضعت رؤية لعشر سنوات قادمة عرضها ولي العهد الامير محمد بن سلمان وتقوم على الاقتصاد وخلق “شرق اوسط تنموي” وان تكون اوروبا جديدة خالية من الحروب منذ الاربعينيات وتتقدم نحو بناء دول قوية اقتصاديا، ولم يتم استثناء اية دولة عربية التي اذا تكاتلت اقتصاديا وتعاونت مع ايران تحديدا يصبح الاقليم آمنا ومزدهرا.
هذا التوجه السياسي – الاقتصادي المرتبط بـ “صفر مشاكل” لم يستوعبه “حلفاء المملكة” في لبنان وهم: رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل ونواب ممن يسمون انفسهم “قوى تغيير” الى اخرين مستقلين حيث لم يواكبوا التطورات التي تحصل في الشرقين الادنى والاوسط وصولا الى الاقصى، اذ يفترض برجل السياسة ان يكون قارئا للتحولات ويبني مواقفه السياسية على ضوئها سواء كان سلباً او ايجاباً، حيث اختار “حلفاء السعودية”، الجانب السلبي من السياسة التي تنتهجها المملكة، واغاظهم الاتفاق السعودي – الايراني، لانه يحيّد “حزب الله” وحلفاءه، عن الصراع الداخلي معه، ويفقد هؤلاء “عدة شغل” لا سيما من يرفعون شعار “تحرير لبنان من الاحتلال الايراني”، والهدف هو “حزب الله” وسلاحه المقاوم، وفق قراءة مصدر سياسي، الذي ينقل عن المسؤولين السعوديين عتبهم الكبير على حلفاء لهم، الذين تحترم المملكة اراءهم، وتستمع اليها، ويناقش السفير السعودي في لبنان وليد البخاري معهم هواجسهم وقلقهم، لكن وهم من “اصحاب سوابق” في التنقل من موقع الى آخر، ان لا يكونوا متصلبين في مواقفهم، كمثل تعاطيهم مع القيادة السورية، وعلى رأسها بشار الاسد، واعتقادهم بانه بات “جثة سياسية”، كما وصفه جعجع، او كما كان يتمنى جنبلاط ان يسقط نظامه ويتنحى، وتمر جثته من قربه على ضفة النهر،وهذا لم يحصل، ومر 12 عاما على الاحداث في سوريا، وبقي الاسد، وفشل معارضوه، الذين لم يعرفوا خوض معركة الاصلاح في النظام بل قرروا الذهاب الى اسقاطه،وجرى استغلالهم من قبل جماعات ارهابية، دعت الى اقامة “دولة الخلافة الاسلامية”.
ولم يكن ينتظر “حلفاء السعودية” منها، ان تصل الى مكان تعيد علاقاتها مع سوريا، وبوقت سريع، حيث اربك ذلك كل من جنبلاط وجعجع والجميل وغيرهم، فقرروا ان يكونوا في موقع مختلف، حيث سأل جنبلاط عن مصير الشعب السوري، الذي قتله الاسد وهجّره، واعتبر جعجع بان الاسد لم يعد موجوداً، في وقت يسأل المصدر هؤلاء الرافضين لعودة العلاقات السعودية – السورية، الم يكونوا هم السباقون للذهاب الى سوريا، منذ “الاتفاق الثلاثي” في العام 1985، وقبله في العام 1976، ثم في العام 1987، عندما اقتتل الحزب الاشتراكي مع حركة “امل” في بيروت التي عاد اليها الجيش السوري، بعد انسحابه منها في العام 1982، اثر الغزو الصهيوني للبنان.
فان من يعترضون ويناهضون عودة العلاقات السعودية – السورية، والعربية السورية، وتحت ذريعة “الدم السوري”، الذي اهدر على يد النظام السوري، الم يكونوا هم “امراء حرب” في لبنان، ومارست ميليشاتهم القتل والمجازر وتسببت بالخراب، وبعضها جرت تصفيات داخلها “كالقوات اللبنانية” وانتهت الحرب “باتفاق الطائف” وهذا هو مسار الحروب على مر التاريخ، الذي على “حلفاء السعودية” في لبنان، ان يقرأوه جيدا، وتاريخ لبنان تحديداً، لان السياسة مع الاحقاد مدمرة، والتاريخ يعلم.
من هنا، فان المنطقة تدخل مرحلة جديدة قرأها من كانوا على خصومة مع السعودية، لا سيما “حزب الله” وحلفاء له، فتم التعاطي مع التحولات، لا سيما الاتفاق السعودي – الايراني بايجابية وانفتاح، والذي كان محل ترحيب في الرياض، التي اسفت ان لا يلاقيها حلفاء لها في سياستها التصالحية، لا سيما جنبلاط الذي اقام مصالحة في الجبل وسبق له وزار دمشق في عام 2010 بعد المصالحة السعودية – السورية التي قادها الملك عبدالله، فلماذا لا يعيد زعيم المختارة ذلك المشهد الذي ذهب فيه الى قصر المهاجرين، وقبله سعد الحريري حيث يُحسن جنبلاط قراءة التاريخ والتطورات، ويوصف بانه “واقعي في السياسة”، وهل يُقدم على تغيير موقفه السلبي من التقارب السوري – السعودي، ويتوجه ايجابا نحوه ويمارسه في السياسة والاستحقاقات الداهمة لا سيما انتخابات رئاسة الجمهورية.