كتب كمال ذبيان | افول «الحريرية السياسية» والتفتيش لبديل عن ضائع رسالة سعودية للطبقة الحاكمة بدأت برئيس «تيار المستقبل»
كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
حصل ما كان متوقعا منذ اشهر لا بل منذ اكثر من خمس سنوات، بان الرئيس سعد الحريري، سيكون خارج الحياة السياسية في لبنان، وهو منذ تقديم استقالته من رئاسة الحكومة في الرياض في 4 تشرين الثاني 2017، تبلغ الرسالة من القيادة السعودية، وتحديدا من ولي العهد الامير محمد بن سلمان، بان لا مكان له في العمل السياسي، وان فترة السماح التي اعطيت له سعوديا، بطلب من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون والادارة الاميركية، وحاكم الامارات المتحدة الشيخ محمد بن زايد، والرئيس المصري محمد السيسي، انتهت في المملكة للحريري الذي تبلغ بان ابوابها اقفلت بوجهه.هذا القرار السعودي، يعود الى اداء الحريري السياسي في لبنان، وتحميله مسؤولية وقوعه تحت «نفوذ ايران ممثلة بحزب الله»، الذي يؤكد المسؤولون السعوديون، بان لا مشكلة لهم مع لبنان، سوى اختطافه من قبل «حزب الله» الذي يهدد «الامن القومي العربي» كما جاء في بيانات صدرت عن السعودية ودول في مجلس التعاون الخليجي، وما تضمنته المذكرة او الرسالة التي اتى بها وزير الخارجية الكويتية وابلغها الى المسؤولين اللبنانيين، ان ينفذوا القرارات الدولية 1559 و1680 و1701، وكلها مرتبطة بسلاح «حزب الله».اما وقد اعلن الحريري عزوفه عن الترشيح وحل «تيار المستقبل» وخروجه من الانتخابات النيابية، بدأ السؤال يطرح من هو البديل عن «الحريرية السياسية»، التي انتهت صلاحياتها بعد اربعين عاماً من الخدمة، واحيلت الى التقاعد حيث شكلت هذه الظاهرة السياسية التي قامت مع بدء رفيق الحريري التعاطي بالسياسة في لبنان منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، لم تعد صالحة للاستخدام في المرحلة الحالية، التي لمّح اليها سعد الحريري، بانه ضد الحرب الاهلية، التي تفرض حصول تسويات داخلية لمنعها، وهو ما يدفع ثمنه، منذ العام 2005 بعد اغتيال والده وانتقال الوراثة اليه، فتشير مصادر سياسية الى ان «تيار المستقبل» الذي يعيش مرحلة ترهل، مع انقطاع التمويل عنه وعن مؤسساته الاعلامية والصحية والاجتماعية والتربوية، فان البديل عنه يحاول ان يملأه بهاء الحريري الذي يرى الفرصة مناسبة، لجذب اعضاء ومناصرين في «تيار المستقبل» اليه وهو ما بدأ يعمل منذ انخراطه قبل اكثر من عامين في العمل السياسي عبر دعم «الحراك الشعبي»، وصولا الى تأسيس تيار «سوا للبنان»، اذ يبدو انه هو الاقرب الى اعادة الارث السياسي اليه، والذي انتزع منه بقرار سعودي، من خلال الامير بندر بن سلطان، الذي اختار سعد وقدمه الى الادارة الاميركية برئاسة جورج بوش الابن بانه سيكمل في السياسة ما بدأه والده.لكن الشقيق الاكبر لسعد، لم يحظ بعد على رضى سعودي، حيث يحاول تقديم اوراق اعتماده في الرياض، والمعروف من المسؤولين السعوديين، لكنه لم يحصل على جواب بعد لان اجواء المملكة هي بان لا عودة الى «الحريرية السياسية» وفق المصادر التي تكشف بان ولي العهد الامير محمد بن سلمان، ينظر الى «الحريرية السياسية» بانها جزء من الطبقة الفاسدة في لبنان، التي اوصلته الى الانهيار، ولا بد من تبديل هذه المنظومة التي بدأت بسعد الحريري، الذي تضامن مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي بدأ يشعر بانه تبلغ رسالة سعودية قاسية باعتزال الحريري السياسية، وان القرار في المملكة هو التخلص من السياسة السابقة التي كانت تعمل بها في لبنان، بدعم حلفاء لها، لم يكونوا على مستوى المسؤولية.لذلك، فان استقالة الحريري من العمل السياسي، تقرأ بانها هز لعرش من هم في السلطة، التي ينظر اليها المجتمع الدولي بانها فاسدة، ولم تقم باصلاحات، فافلست الخزينة اللبنانية، حيث تلتقي وجهة النظر السعودية مع الفرنسية والاميركية، بالتحول نحو سلطة جديدة، قد تكون موجودة في ما سمي «المجتمع المدني» او «الانتفاضة»، برأي المصادر التي تشير الى ان محمد بن سلمان يعتبر نفسه، بانه قام بمحاربة الفساد في بلاده، ولاقرب المقربين من انسبائه واهله، حتى وصل به الامر الى السؤال عن ثروة آل الحريري في السعودية، وكيف حصلت عليها، فتم عرضها للمزاد العلني، بعد وقف المشاريع عنها قبل سنوات، وبان العلاقة التي كانت تربط رئيس الديوان الملكي عبدالله التويجري بآل الحريري، لا سيما سعد، واتهامه باختلاس اموال، هو ما زاد من غضب المملكة على سعد، كما تنقل المصادر عن مسؤولين سعوديين، مذكرين بالمليار دولار التي قدمها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز كمكرمة للبنان لتعزيز قوى الامن الداخلي عبر التويجري.اما عن البدائل التي تطرح لوراثة الحريرية السياسية، فان ليس من حالات موجودة داخلها، الا من بعض ما كانوا فيها او مقربين منها، كالنائب نهاد المشنوق الذي يقدم نفسه على انه مع «الحريرية الوطنية» وليس السياسية بمعناها الطائفي او المذهبي او المناطقي، كما يحاول البعض تقديمها حيث لم يظهر بعد لمن سيكون التمثيل الاوسع في الطائفة السنية، اذ ان قوى سياسية وحزبية موجودة على الساحة السنية ولها ممثليها «كالجماعة الاسلامية» وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية، وحزب الاتحاد برئاسة عبد الرحيم مراد، والتنظيم الشعبي الناصري برئاسة اسامة سعد، و»تيار العزم» برئاسة نجيب ميقاتي، وتيار الكرامة برئاسة فيصل كرامي، والحضور الشعبي للنائب جهاد الصمد، اضافة الى نائبين في «كتلة الوفاء للمقاومة» وليد سكرية و»التنمية والتحرير» قاسم هاشم، وقد التقى ستة نواب سنة وشكلوا منهم «اللقاء التشاوري»، وهم لا يتفقون بالكامل مع «الحريرية السياسية»، التي تظهر قوتها في بيروت وطرابلس واقضية الشمال.فمن داخل «الحريرية السياسية»، هناك من يعمل على ان يكون البديل لسعد، او «تيار المستقبل» حيث يقوم النائب فؤاد مخزومي نفسه من خلال خطاب مذهبي وتحريضي ضد «حزب الله» وهذا لا يعمل منه مرجعية سياسية سنية، وفق المصادر، لان السُنة في لبنان عرفوا في تاريخهم انتماءات وولاءات، وكانت الحركة الناصرية التي مثّلها الرئيس الراحل جمال عبد الناصرفي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، هي ما جذبت الجمهور السني، والتي اعلنت فكرة القومية العربية والتحرر من الاستعمار، ومساندة القضية الفلسطينية التي لاقت دعما واحتضانا لها في البيئة السنية، التي عاشت مرحلة الحريرية السياسية منذ ما بعد اتفاق الطائف. فهل يفتش السنة في لبنان عن هوية كبدل عن ضائع بافول الحريرية السياسية.