كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني
مع كل تعيينات ادارية او عسكرية وامنية، كما ديبلوماسية ومصرفية في مؤسسات الدولة، او المصالح المستقلة، فان صراعاً ينشب داخل الطائفة الدرزية بين الثنائية الجنبلاطية والارسلانية، ويخوض الطرفان معركة المحاصصة على مراكز الفئة الاولى في هرم الدولة البالغ عددها ثمانية، وكان الحزب «التقدمي الاشتراكي» يحظى باكثرية الوظائف، والحزب «الديموقراطي اللبناني» ينال الوظائف التي كانت تتم بتوافق او رضى وليد جنبلاط، عندما تكون العلاقة جيدة وايجابية مع طلال ارسلان، ووفق الظروف السياسية.
والمركز الثاني هو رئيس الاركان في الجيش، الذي يشغله اللواء الركن امين العرم والذي يبلغ السن القانونية (59 سنة) ويحال الى التقاعد في هذا الشهر، وقد سعى النائب بلال عبدالله الى تمديد سن التقاعد لموظفي الفئة الاولى، المدنيين كما في السلك العسكري، لكن اقتراح القانون لم يسلك طريقه في مجلس النواب، مما فرض على كل موظف يبلغ سن التقاعد ان يغادر موقعه فوراً.
وفي ما يخص قيادة الشرطة القضائية، فان التنافس عليها بين الضباط الدروز في رتبة عميد واحياناً عقيد، يبدأ عندما يقترب موعد تقاعد الضابط الذين يشغلونها، وبما ان الوظائف في لبنان موزعة طائفياً، ولم يتم بعد الغاء طائفية الوظيفة كما نصت اصلاحات اتفاق الطائف، فان ملء المراكز الوظيفية، يمر عبر المراجع السياسية الطائفية، ويصبح كل متنفذ سياسي في طائفته هو من يطرح الاسماء، وهنا تقع بعض التباينات والصراعات داخل الطائفة الواحدة. لكن في السنوات الاخيرة، لا سيما بعد اتفاق الطائف، كانت تحسم لمصلحة «الاقوى في طائفته» وفي السلطة، ويتم توزيع المغانم الوظيفية على «الممثل الشرعي» للطائفة، في تغييب كامل احياناً للكفاءة وللخبرة وللمباراة التي تجريها المؤسسات المعنية، فيتعطل دور مجلس الخدمة المدنية في كثير من الاحيان لمصلحة زعماء الطوائف والمذاهب، الذين وصفهم الرئيس الراحل فؤاد شهاب بـ«أكلة الجبنة»، وكان انشاء المؤسسات للحد من النفوذ السياسي في ادارات الدولة، وكبح الفساد فيها.
واللافت ، ان ارسلان يلتزم الصمت على غير عادته في موضوع تعيين قائد للشرطة القضائية، حيث كان يخوض معارك على هذا الموقع وغيره، لكن مصادره اكدت انه ينأى بنفسه في هذه المرحلة، لان ثمة استحقاقات اكبر، فلبنان يمر في ازمة وجودية في ظل شغور رئاسة الجمهورية، ووجود حكومة تصريف اعمال، حيث يوجد خلاف دستوري حول استلامها لصلاحيات رئيس الجمهورية، اضافة الى ما يمر به اللبنانيون من ضائقة مالية واقتصادية واجتماعية، وترى المصادر ان الاهمية لهذه القضايا الكبرى، مع ضرورة ان تحفظ المراكز الامنية.
اما في قوى الامن الداخلي، فيجري التداول باسماء ضباط دروز لقيادة الشرطة القضائية، ومنهم من له الحق في المنصب، لكنه ليس لديه الخبرة الميدانية ومن خارج اختصاصه، كالعميدين غازي كيوان ووسام ابو هدير، وهما مهندسان، وقد سبق لجنبلاط ان طرح اسم كيوان قبل اكثر من عامين، لكنه لم يوفق في تعيينه لانه من خارج اختصاصه وللتراتبية التي يسبقها فيها ضباط آخرون، كما يبرز اسماء ضباط كزياد قائد بيه وسامر البعيني لقيادة الشرطة القضائية.
والثنائية التي سعى ارسلان ان يكرسها مع جنبلاط، اثناء الحوار بينهما والذي رعاه الرئيس نبيه بري بعد حادثة قبرشمون، لم تلق التجاوب في المختارة التي قرر زعيمها ان توزع الحصص وفق النسبية داخل الطائفة الدرزية، فلم يلجأ الى الأحادية بل اعطى خلده ما تستحق، دون تكريس «المناصفة»، فرفض جنبلاط تقاسم المجلس المذهبي الدرزي، وسمى شيخ عقل الطائفة الدرزية وانتخب الشيخ سامي ابو المنى بالتزكية، وترك الشيخ ناصر الدين الغريب وحيداً، وهو المسمى من ارسلان ومدعوماً من احزاب وشخصيات في خطه السياسي، لكن حلفاء ارسلان تخلوا عن الشيخ الغريب، وباركوا للشيخ ابو المنى.لذلك، فان مركز قائد الشرطة القضائية، سيستلمه الضابط الاعلى رتبة وهو مارك صقر، الذي يشغل منصب قائد الشرطة السياحية، في حين ان رئاسة الاركان يعمل جنبلاط على حلها مع وزير الدفاع وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي زاره قبل ايام النائب وائل ابو فاعور، والمركزان ينأى ارسلان بنفسه عنهما.