كتب كمال ذبيان | إستقلاليّة القضاء شعار إصلاحي يُسقطه السياسيّون

توزير قضاة دون استقالتهم يربطهم بمرجعيّات تؤثر عليهم

كمال ذبيان | كاتب وباحث لبناني

قوة الدول بقضائها، ونزاهة قضاتها، لأن القضاء هو العدالة وتطبيق القوانين، والنطق بالاحكام باسم الشعب اللبناني، الذي يعيش في لا عدالة يقيمها قضاة باعوا انفسهم للشيطان الذي تكمن فيه التفاصيل.

فالقوى السياسية والحزبية التي تتكوّن منها السلطة في لبنان، هي المسؤولة عن بقاء النظام الطائفي لتستفيد منه، في ان يكون لها اتباعها في مؤسسات الدولة، التي لا يمكن ان تنتظم، وتتطهر من الفاسدين والمفسدين، طالما هي محميات لزعماء الطوائف السياسيين منهم ومن يدعمهم من مرجعيات روحية، اتوا الى مواقعهم بسبب ولاءاتهم السياسية، فشكلوا الدرع لهؤلاء الزعماء الذين يضعهم اصلاح النظام السياسي خارجه، حيث يكشف مرجع نيابي سابق، بان من ابرز اصلاحات الطائف استقلالية القضاء، وجرى تقديم اكثر من اقتراح قانون الى مجلس النواب لتحرير القضاء من السياسة، واعتباره سلطة مستقلة، وعدم دمج القضاء بالسياسة، كما يجري منذ سنوات، لكن لم يصدر القانون الذي يؤكد على استقلالية القضاء.

وفي هذا الاطار، فان ظاهرة توزير قضاة، او الاستعانة بهم للادارة، هو تسييس للقضاء، ومنع استقلاليته، وتأكيد على ارتباط غالبية القضاة بمراجع سياسية، حيث لا يتأمن مركز لقاض دون العودة الى الزعيم السياسي لطائفته كما هو حاصل الآن، بحيث يتشكل مجلس القضاء الاعلى من توزيع طائفي، وكل طائفة تسمّي السياسي الممسك بها القضاة فيه، بحيث يعين القضاة من زعمائهم لا من مجلسهم، الذي جرت محاولات من داخله لاظهار استقلاليته، لكنه كان يواجه بـ «فيتوات» من قبل مسؤولين، يملكون حق التوقيع على التعيينات والتشكيلات، كما جرى مؤخراً في تعيين وتشكيل قضاة، لم يسهل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توقيع المرسوم، لملاحظات لديه ابلغها الى مجلس القضاء.

فمن دون اصلاح القضاء واستقلاليته، فان لبنان لن يتخلص من الفساد اذ يخضع القضاة لتأثير السياسة، وهذا ما ظهر في موضوع التحقيق بجريمة انفجار مرفأ بيروت، فتعطلت العدالة عند السياسة، وفق المرجع الذي يشير الى تأخير وزير المال يوسف خليل توقيع مرسوم التشكيلات القضائية المربوطة بانفجار المرفأ.

والاخطر مما يجري في القضاء، هو تعيين قضاة وزراء، من قبل احزاب وقوى سياسية وكتل نيابية، وهذا ما حصل في حكومات متعددة، لا سيما من هم في الخدمة، حيث يوجد في الحكومة الحالية التي تصرّف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي، ثلاثة وزراء ـ قضاة هم: هنري خوري، بسام المولوي ومحمد وسام مرتضى، وهؤلاء عينوا من قبل مرجعيات سياسية، وان كانوا يعلنون عدم انتمائهم الحزبي او السياسي، لكن الواقع يؤكد بان مواقفهم في مجلس الوزراء، او خارجه، هي تعبير عن المرجعية السياسية التي ينتمون اليها، وهذا ما حصل عندما علّق كل من «حركة امل» وحزب الله مشاركتهما في الحكومة، حتى حل قضية القاضي طارق البيطار في انفجار مرفأ بيروت، مع اصداره مذكرات توقيف طالبت وزراء سابقين ونواب حاليين، فلبى الوزير مرتضى طلب مرجعيته «حركة امل».

والسؤال الذي يُطرح دائماً، ويتعلق بالمكان الذي سيعود اليه الوزراء ـ القضاة، هل الى القضاء؟ ام يتركونه، وقد تلوثوا بالسياسة وستدخل معهم الى القضاء؟

ففي حكومات سابقة، تم تعيين قضاة وزراء، ولم يستقيلوا من وظائفهم، بما يؤكد بان الدعوة الى استقلالية القضاء لا يُعمل بها، طالما يستعان بقضاة ليكونوا وزراء، وهو الامر نفسه عندما يتعلق الموضوع بموظفين من مؤسسات الدولة، لا سيما من يكون استاذا في مؤسسة تربوية رسمية، فهل يعود الوزير استاذا؟ البعض عاد، وآخرون بقوا في وظائفهم دون ان يمارسوها؟

استقلالية القضاء تحصل باخراجه من ان يصبح القاضي وزيراً، فيخضع للسياسيين.

Exit mobile version