عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
ممّا لا شكَّ فيه أنَّ الزلزالَ المدمّرَ الذي لا تزال تداعياته في أولها ،سيكون له تداعيات أكثر إيلاماً عندما تهدأ فورته، وتصل الأمور إلى نهاياتها بما يتعلق بعمليات الإنقاذ والإعلان الرسمي في كلّ من سورية وتركيا عن نهايتها، لتبدأ مرحلة أخرى لا تقّل أهميةً عن مرحلة الإنقاذ وهي احتواء الآثار المدمّرة للزلزال.
حتى اللحظة، تسير الأمورُ بصعوبة في تركيا، وبشكل أصعب في سورية بسبب عقوبات “قانون قيصر” الأميركي الجائر، حيث يمتنع الكثير من الدول عن إيصال أية مساعدات مهما كان حجمها صغيراً بقرار واعٍ لدى الأغلبية الغربية، وخوفاً من أميركا لدى بعض الدول الآسيوية والإفريقية.
أكثر من 76 دولةً حتى اللحظة أرسلت أو سترسل مساعدات وفرق إنقاذ إلى تركيا، في حين أنَّ عدد الدول التي أرسلت مساعدات وفرق إنقاذ إلى سورية لم يصل منها إلا ١5 دولة، وهي روسيا، إيران، الهند، العراق، الجزائر، ليبيا، مصر، الإمارات العربية المتحدة، تونس، عُمان، لبنان، الأردن، فنزويلا ، أرمينيا، باكستان، على أمل أن يرتفع العدد وحجم المساعدات.
وبالنظر إلى وضعية سورية المعقدة التي انتجتها سنين الحرب، حيث تضرر الكثير من البنى التحتية، ودّمر الكثير من المعدات من قبل الإرهابيين،وعدم القدرة على شراء معدات وآليات ليس فقط من أجل عمليات الإنقاذ، لا بل حتى من أجل القيام بواجبات الدولة تجاه مواطنيها في مختلف قطاعات الخدمات.
وبحسب المتابعات، فإنَّ تركيا- الدولة القوية، التي تمتلك إمكانيات كبيرة – أعلنت منذ اليوم الأول عدم قدرتها على الاستجابة لطبيعة التحديات، وطلبت مساعدةً عاجلة من الدول، وكذلك فعلت سورية عبر بيان لوزارة الخارجية ناشدت الأمم المتحدة تقديم العون لسورية.
وبحسب المعطيات المتوفرة أيضًا، فإنَّ قطر والمملكة العربية السعودية سترسلان إلى سورية خلال 48 ساعة كحدٍّ أقصى مساعداتٍ ستساهم بالتأكيد في تخفيف آثار الكارثة.
ولكن يبقى أنَّ دولَ الغرب الجماعي وحكامه الطغاة لم تحرك فيهم الكارثة أدنى شعور بالمسؤولية، ولم ولن يعلنوا بتقديري عن أية مساعدات لسورية عبر الدولة السورية، واقتصار المساعدات على المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، وهو ما صرح به أكثر من مسؤول أميركي وغربي.
سورية في الأساس لا تعارض وصول مساعدات لمواطنيها القاطنين في مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية، وهي عبر جمعية الهلال الأحمر السوري أعلنت الاستعداد للوصول إلى هذه المناطق، والقيام بواجباتها ضمن الإمكانيات المتاحة، ولم تتلقَ حتى اللحظة أجوبة حول الموضوع.
في المحصلة تقاوم سورية نتائج الكارثة بامكانيات محدودة وضئيلة، فعلى الرغم من وصول فرق الإنقاذ وبعض المساعدات إلاّ أنَّ الأمر يحتاج الى إمكانيات كبيرة لا يمكن تأمينها بدون تخطي إجراءات القانون المجحف الذي وضعته أميركا الذي لا توجد أية معطيات تشير الى إمكانية إلغائه ولو مؤقتاً، وليبرز إلى الواجهة سؤال مركزيٌّ وأساسيٌّ وهو: هل ستتعاطى بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية بنفس الإيجابية المتعلقة بتداعيات الزلزال بعد انتهاء تداعياته؟.
إنَّ استمرار الأجواء الإيجابية من الدول العربية بشكل أساس وبعض الدول الآسيوية والإفريقية وبعض دول أميركا الجنوبية من شأنه أن يخفف كثيراً من تداعيات ما قبل الزلزال وما بعده على سورية، وهو ما يبدو طبيعياً من خلال التحولات التي تحصل في الإقليم والعالم، وهو ما سيتجه بالمنطقة من حالة الاشتباك إلى حالة التشبيك في الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية وخصوصاً بين مصر والسعودية من جهة وسورية من جهة أخرى، إضافة إلى ما يمكن أن تُنتجه اجتماعات وزراء خارجية سورية وتركيا برعاية روسية – أميركية من المفترض أن تؤدي إلى اجتماع الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان.
عندها نستطيع القول: إنَّ مرحلةً جديدة قد بدأت ومرحلةً سابقة قد طُويت، وستكون برأيي بداية تراجع نفوذ أميركا، وتَشكُّلِ عالمٍ جديد من المنطقة نفسها التي تصّر أميركا على اخضاعها ونهب ثرواتها.
– خاصّ الأفضل نيوز
https://alafdalnews.com//details.php?id=NTU4ODA=