كتب عمر معربوني | هل تعزز المعركة بين أرمينيا وأذربيجان دور موسكو أم تعرقله؟
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
خاص – العهد الإخباري
أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية عملية عسكرية في اقليم ناغورني قره باخ لاستعادة النظام الدستوري. هكذا جاء في العنوان الأساسي لبيان وزارة الدفاع الأذربيجانية، في حين أن رئيس الوزراء الأرميني قال إن الهدف من العملية هو القيام بعمليات تطهير عرقي. في العناوين، من الطبيعي أن تتذرع كل من أرمينيا وأذربيجان بذرائع تعتبرها كل منهما ثوابت لا نقاش فيها.
مشكلة أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورني قره باخ قديمة، لكنها برزت إلى العلن بعد انهيار وتفكك الإتحاد السوفياتي حيث جرت أكثر من جولة قتال منذ العام 1988 وحتى العام 2020. ترجع جذور الصراع إلى عام 1923 عندما أعطت الحكومة السوفياتية منطقة ناغورني قره باخ رسميًا لأذربيجان، ولكن بعد أن تفتت العقد السوفياتي وبعد أن استقلت جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وأرمينيا، كل منهما يريد ضم تلك البقعة إلى أراضيه، وكانت أرمينيا تقول بأن تلك المنطقة ملك لها معللة ذلك بأغلبية سكانها الأرمن.
أدى ذلك الصراع إلى نزوح مئات الآلاف من الأرمن من أذربيجان إلى أرمينيا ونزوح مئات الآلاف من الآذريين من أرمينيا إلى أذربيجان.
اندلعت حرب أواخر شتاء 1992 ولم تتمكن المنظمات الدولية من احتواء الصراع، وفي ربيع 1993 استولت القوات الأرمينية على مناطق خارج نطاق الإقليم جغرافيًا بما يعادل 9% من الأراضي الأذربيجانية، وقد وصل عدد المشردين من الجهتين إلى 23000 مشرد آذري، و80000 أرميني وأرتساخي.
وقد وضعت روسيا حلاً لوقف الصراع تم التوقيع عليه في أيار/ مايو 1994، بواسطة مؤتمر الأسس الأمنية والتعاونية الأوروبية (مجموعة مينسك)، وقد عقدت من جانب أرمينيا وأذربيجان.
في نهاية أيلول/ سبتمبر2020، استؤنف القتال في الإقليم، وفي ليلة 10 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، اتفقت أذربيجان وأرمينيا بدعم من موسكو، على وقف إطلاق النار بشكل كامل، والبقاء في المواقع المحتلة وتبادل الأسرى وجثث القتلى، ومنذ ذلك الوقت تتمركز قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة، بما في ذلك ممر لاتشين.
وفي العام الماضي، بدأت يريفان وباكو، من خلال وساطة روسيا، مناقشة معاهدة سلام مستقبلية.
وفي نهاية شهر مايو/ أيار من هذا العام، قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إن يريفان مستعدة للاعتراف بسيادة أذربيجان داخل الحدود السوفياتية، أي مع ناغورني قره باخ.
الملفت للنظر أن كلًّا من أرمينيا وأذربيجان كانا سيلتقيان في موسكو قريباً للتفاهم على بعض الخطوات التي تساهم في انهاء المشكلة، إضافة الى أن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشنيان كان قد صرّح منذ فترة قصيرة بأن أرمينيا مستعدة للإعتراف بسيادة أذربيجان على الإقليم بشرط الحصول على ضمانات بعدم حصول عمليات تطهير عرقية.
في منتصف شهر تموز/ يوليو من السنة الحالية اتهمت أذربيجان كلا من روسيا وأرمينيا بعدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في منطقة ناغورني قرة باخ، وذلك بعد ساعات من مطالبة الاتحاد الأوروبي لكل من باكو ويريفان بالإحجام عن “العنف والتصريحات الحادة”. وحيث جاء في بيان وزارة الخارجية الأذربيجانية ان أرمينيا لا تلتزم بالكثير من بنود الاتفاق، وروسيا لا تضمن التنفيذ الكامل له في إطار التزاماتها” في إقليم ناغورني قره باخ.
روسيا عبر الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف والناطقة بلسان وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا دعت الى وقف فوري لإطلاق النار والعودة الى الديبلوماسية وتنفيذ الاتفاق الثلاثي الذي تم التوقيع عليه في العام 2021 برعاية موسكو.
وفي عودة لاحقاً لمتابعة التطورات العسكرية من المهم حالياً الإشارة الى ان العودة الى حالة الفوضى والقتال بين أرمينيا وأذربيجان لا تخدم بأي شكل من الأشكال الاستقرار في منطقة جنوب القوقاز وتشكل عامل قلق لروسيا لما لهذه المنطقة من أهمية وما تشكله من حساسية في الوقت الحالي لروسيا التي تخوض عملية عسكرية بمواجهة أوكرانيا.
وهنا يبرز سؤالان مركزيان هامان: لماذا أطلقت أذربيجان عمليتها في هذا التوقيت؟ ولماذا قرّرت أرمينيا اجراء مناورات مشتركة مع اميركا في نفس التوقيت؟
بالنظر الى التحولات التي حصلت في أرمينيا لجهة تمتين العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية بعد تولي نيكول باشنيان السلطة، وبالنظر الى اتهام أذربيجان روسيا بعدم الحياد بما يرتبط بمهام قوات حفظ السلام الروسية في إقليم قره باخ وعلاقة أذربيجان المميزة مع اميركا وتركيا، من الواضح أن شيئاً ما يُحاك بتدبير أميركي لزعزعة أمن منطقة القوقاز والتأثير على الأمن القومي الروسي، وهو ما تقوم به اميركا والغرب الجماعي منذ سنوات طويلة، هذا اذا أضفنا للإشكالية بين أرمينيا وأذربيجان عدم استقرار الوضع بين قرغيزستان وطاجكستان وما يمكن ان يتركه من آثار على أمن منطقة آسيا الوسطى التي تشكل مع جنوب القوقاز المجال الحيوي الطبيعي لروسيا.
المصدر | العهد الإخباري