عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
حتى كتابة هذه الكلمات يمكن القول ان روسيا حقّقت قسماً مهمّاً من أهدافها لكنّ القسم الأهم لم يُنجز حتى اللحظة .في الأهداف التي اعلنها الرئيس فلاديمير بوتين والتي من المفيد التذكير بها في بعديها العملياتي والإستراتيجي .في البعد العملياتي اعلن الرئيس بوتين ما يلي : حماية وضمان سلامة شعب جمهوريتي دونيتسك و لوغانسك اللتين أعلنتا انفصالهما عن أوكرانيا بعد الانقلاب الدموي في كييف عام 2014، وإلزام حكومة أوكرانيا باحترام هذا الاستقلال، والتسليم بضم روسيا لشبه جزيرة القرم الذي تم عام 2014 .نزع سلاح أوكرانيا وتقويض قدرتها على تهديد الأمن القومي لروسيا .ضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف الناتو .وبمقاربة الوقائع الميدانية يمكن الجزم بأنه إضافة الى جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وبنتيجة السيطرة العسكرية الروسية تم انجاز الجزء الأكبر من الهدف الأول إضافة الى السيطرة على اغلب مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون وهي المناطق التي انضمّت الى روسيا لاحقاً بموجب الاستفتاء الذي جرى بعد شهور من السيطرة الروسية على اغلب جغرافيا جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون على ان يتم استكمال العمليات للسيطرة على كامل أراضي هذه المناطق .في هذا الجانب كان للتدخل والدعم المقدّم من الغرب الجماعي اثر كبير في تأخير تنفيذ اهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة وهو دعم بلا حدود وصل الى حدود 160 مليار دولار حتى اللحظة وسيستمر بتقديري حتى تفقد أوكرانيا الإحتياطي البشري في قواتها المسلحة وهذا يحتاج الى الوقت ، فالى امد ليس بالقريب يمكن للجيش الأوكراني مع استمرار الدعم الغربي ان يقاتل بين سنتين الى ثلاث سنوات قادمة حتى يبلغ مرحلة الإنهيار العسكري الكامل على الرغم من دخول القيادة الأوكرانية ومعها قيادة الغرب الجماعي مرحلة الإنهيار الإدراكي والتي يمكن الإستدلال عليها من خلال التصريحات الغربية الكثيرة التي تتعلق بفشل الهجمات الأوكرانية المضادة واستحالة تحقيق الهزيمة بروسيا ، وهذا ان دل يدّل على قناعة راسخة لدى الغرب الجماعي بان المعركة مهما طالت لن تكون نهايتها لصالح أوكرانيا .بالنسبة للهدفين الثاني والثالث فان تحقيقهما مرتبط بوصول أوكرانيا الى مرحلة الإنهيار وهذا برأيي يتطلب تحويل أوكرانيا الى دولة حبيسة .اما ما المقصود بالدولة الحبيسة فهو باختصار يعني سيطرة روسيا على كامل شواطيء أوكرانيا على البحر الأسود وهذا برأيي الهدف الأهم الذي تخطط له روسيا كمقدمة لإحداث متغير جيوسياسي كبير يؤدي حكماً الى نشوء نظام حكم موالي لروسيا وبذلك يتم تنفيذ هدف نزع سلاح أوكرانيا وضمان حيادها .اما وقد وصلت الأمور الى نقطة اللاعودة بالنسبة لروسيا لإرتباط الأمر بمعركة وجودية وليس مجرد خوض عملية عسكرية محدودة وهذا سببه الأهداف التي اعلن عنها الغرب الجماعي سياسياً ويترجمه من خلال جعل أوكرانيا ساحة قتا بمواجهة روسيا .ويمكن تلخيص اهداف الغرب الجماعي وعلى رأسه اميركا بالتالي :الحاق الهزيمة بروسيا اقتصادياً عبر حزم العقوبات المتلاحقة وهي برأيي المعركة الرئيسية .تعميم الروسو فوبيا عبر طمس تاريخها ودورها الثقافي والأدبي المتجذر وهو ما يحصل من خلال شيطنة كل ما هو روسي .الاستماتة في الحفاظ على النظام الدولي الحالي القائم على الهيمنة .محاولة عزل روسيا ولو نسبياً عن الصين بشكل أساسي وتفتيت منظومتي بريكس وشانغهاي إضافة الى نسف رابطة الدول المستقلة التي تضم روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان .وبمقاربة واقعية لتسلسل الأحداث تجري سفن روسيا عكس ما تشتهيه رياح الغرب الجماعي ، فالعملية العسكرية وان طالت لن تتوقف الاّ بتحقيق كامل الأهداف العملياتية والإستراتيجية لروسيا ، فعلى المستوى الاقتصادي تشير الأرقام الى تحولات إيجابية في مؤشر النمو الروسي إضافة الى انطلاق عجلة الإنتاج والإستثمار الداخلي ، عدا ان العملية العسكرية ادّت دوراً مهمّا في رفع الحس القومي كان الوصول اليه في المراحل العادية يحتاج الى عقود من الزمن .في الجانب المرتبط بعزل روسيا لم يستطع الغرب الجماعي تحقيق أهدافه لا بل على العكس فإن علاقات روسيا بأكثر من نصف دول العالم تنمو وتزدهر وتتجه الى مستويات من الصعود كانت تحتاج ايضاً الى عقود طويلة لتحقيقها .في الخاتمة : من المؤكد ان الجيش الروسي سيخرج من حالة الدفاع النشط قريباً وسيبدأ بتنظيم هجمات واسعة لتحقيق المنطقة النظيفة كما سمّاها الرئيس بوتين وهي حتى تؤمن مستويات امان عالية ستشمل السيطرة على مقاطعات نيكولاييف واوديسا ودنيبروبيتروفيسك وخاركوف وأجزاء من مقاطعتي سومي وتشيرنيغوف ، مع التأكيد ان تحقيق هذه الأهداف يمّر بضرورة إيصال الجيش الأوكراني الى اعلى مستويات الإنهاك عبر استنزاف قدراته البشرية كما هو حاصل حالياً .
نقلاً عن صباح الخير – البناء
https://sabahelkheyr.com/?p=6723